قالت جمعية “أطاك المغرب” إن زلزال الحوز الذي أودى بحياة قرابة 3000 شخص كانت له أبعاد كارثية، “فاقمها الإهمال الإجرامي الممتد منذ عقود من طرف الدولة اتجاه المناطق المنكوبة”.
وأشارت الجمعية في بيان لها، أن هذا الإهمال تنضاف إليه عقود من سياسات اقتصادية تجعل ملايين الكادحين عزَّلا أمام كوارث طبيعية (جفاف وفيضانات وحرائق وزلازل)، بفعل انعدام بنية وقائية استباقية وتدهور مريع للخدمات العمومية وهشاشة البنية التحتية (الطرقية بالأساس) في المناطق التي تصيبها هذه الكوارث.
وأكدت “أطاك” أن هذه الخيارات الاقتصادية تجعل الكوارث الطبيعية ذات أبعاد طبقية ومجالية، حيث أكثر المتضررين هم فقراء القرى وهوامش المدن الكبرى.
وأوضحت أن الدولة تروج لمنجزات البنية التحتية الهائلة لكنها عاجزة عن إنقاذ وإسعاف منكوبي الكوارث الطبيعية.
وأضافت أن الكارثة وقعت في مراكش، حيث كانت الدولة تعتزم استعراضَ منجزاتها الاقتصادية أمام أغنياء العالم ومؤسساتهم ومنظمات المجتمع المدني الموالية لهم، في هذه المدينة وأحوازها تكفل زلزال بكشف مسبَق لزيف تلك الادعاءات التنموية.
ولفتت إلى أن “الدولة تريد من ذلك الاجتماع السنوي لأكبر مؤسستين استعماريتين (البنك وصندوق النقد الدوليين) نيل شهادة تقدير تستعملها لمزيدِ ولوجٍ إلى أسواق التمويل الدولية والقروض، من أجل الاستمرار في نفس نموذج التنمية القائم على إغناء الأغنياء وإفقار الفقراء، نموذج تنمية يفاقم آثار الكوارث الطبيعية”.
ونبهت الجمعية إلى أن المغرب من أكثر البلدان تعرضا للأخطار الجيولوجية والمناخية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبحلول عام 2030، من المتوقع أن يكون %42 من الساحل المغربي معرضا بشكل كبير لخطر الفيضانات والتعرية.
كما أن مدنا ساحلية مغربية، مثل الرباط وطنجة، صنفت على أنها “حساسة للغاية للفيضانات، وبما أنه من المتوقع أن يبلغ مستوى التحضر في المغرب %77 بحلول عام 2050، فمن المحتمل أن يتركز سكان الحضر في المستقبل في مناطق شديدة التأثر بالفيضانات.
وتساءلت الجمعية ماذا أعدت الدولة لمواجهة مخاطر الكوارث هذه التي تمتلئ بها صفحات تقارير المؤسسات الدولية والمعاهد المختصة؟ مجيبة ” لاشيء، باستثناء وقوع الفأس في الرأس، وتدبير الكوارث بنفس المنطق النيوليبرالي”.
وشددت على أن الدولة تفضل توجيه المالية العمومية للاستثمارات ذات المردودية العالية لرأس المال، بينما تُهمِل الاستثمارات ذات الطابع الاجتماعي والبيئي، رغم كل الدعاية الهائلة لمجهودات رصد والحد من الكوارث الطبيعية، وهي مجهودات ممولة بقروض من البنك الدولي.
وسجلت أن “النموذج التنموي الجديد” تحدث عن “عودة الدولة القوية”، إلا أن هذا صحيح فقط عندما يتعلق الأمر بإنقاذ القطاع الخاص وحفزه ودعمه، كما وقع إبان وبعد جائحة كوفيد- 19، إذ أعلنت الدولة عن خطة لإنعاش الاقتصاد (المقصود المقاولات) بغلاف مالي قدره 120 مليار درهم، بينما المبلغ المرصود لـ”الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا “كوفيد- 19″، هو 42 مليار درهم، صُرف منها 15.26 مليار درهم لدعم 5.5 ملايين أسرة، و6 مليار درهم تعويض الأجراء والمستخدمين الذين توقفت المقاولات حيث يشتغلون.
وأكدت الجمعية أن تركيبة هذه الأرقام تكشف عن كنه “الدولة القوية” التي تحدث عنها النموذج التنموي الجديد، فهي عكاز دائم يسند الرأسمال الخاص، ودعمُ مستهدِف ومحدود ومؤقت للكادحين- ات لتفادي الكارثة الاجتماعية من أجل ضمان السلم الاجتماعية والاستقرار السياسي.
وأبرزت أن الزلزال أصاب بعمق المناطق الأكثر فقرا (البوادي وهوامش المدن والمراكز الحضرية الصغيرة (حوز مراكش شيشاوة وتارودانت ووارزازات وأزيلال)، مدمرا شروط الحياة البائسة التي يصارع فقراء القرى للبقاء على قيدها، وهي شروط جعلتها الخيارات الاقتصادية للدولة (النيوليبرالية) أكثر بؤسا، حيث صرحت منظمة الصحة العالمية بأن الزلزال المدمر “أثر على أكثر من 300 ألف شخص بمدينة مراكش المدرجة في قائمة اليونسكو للتراث العالمي”.
وخلصت الجمعية إلى أنه بعد أعوام من ادعاء تنمية العالم القروي، تتذرع الدولة بانعدام المسالك للوصول إلى ضحايا الزلزال، لكن هذا مجرد مبرر لتغطية واقع أصبح مرئيا، فالدولة تتدخل بسرعة في أوعر المناطق عندما يتعلق الأمر بقمع نضال اجتماعي، وتتدخل بسرعة لإنقاذ القطاع الخاص عبر حقنه بمليارات الدراهم من المالية العمومية، إنها الدولة القوية التي وعد النموذج التنموي الجديد بعودتها: دولة قامعة للفقراء وداعمة للأغنياء.