أكد رئيس نادي قضاة المغرب، عبد الرزاق الجباري، أن التسجيل الصوتي الذي تم تداوله، المنسوب إلى بعض القضاة، حول ملف معروض على محكمة الجنايات بالدار البيضاء “فوجئنا به كما فوجئ به الجميع”.
وأوضح رئيس النادي أن الاحتجاج الذي قام به المحامون عقب خروج التسجيل الصوتي، وما تضمنه من كلمات لم ترقهم، “من شأنه أن يؤثر على مجريات البحث”، مضيفا: “كيف سندافع عن استقلالية القضاء ونواجه التأثير على القضاء بتأثير آخر؟ هنا كان مفترق الطرق بين النادي وهيئة الدفاع”.
وبعدما أعرب رئيس نادي قضاة المغرب عن ثقته الكاملة في التحقيق الذي باشرته السلطة القضائية، في هذه القضية، أشار إلى أن الجمعية تربطها علاقة مبنية على التعاون والتشارك والاحترام المتبادل بين الطرفين في عهد الرئيس المنتدب الحالي محمد عبد النباوي.
هذا نص الحوار:
بداية، كيف تلقيتم قضية التسجيل الصوتي التي هزت منظومة العدالة وأثارت غضبا في صفوف أوساط بعض الهيئات المهنية؟
لا يخفى عليكم أن نادي قضاة المغرب سبق أن أصدر بلاغا بخصوص هذا التسجيل، وعبر عن موقفه منه، وأعلن تشبثه بالمبادئ الكلية والموجهة لاستقلال القضاء، ومن أهمها عدم التدخل والتأثير على القضايا التي فتح بشأنها بحث قضائي أو دخلت حوزة القضاء.
موضوع التسجيل فوجئنا به كما فوجئ به الجميع، لكن ما دامت الجهات المختصة فتحت بحثا قضائيا، فنحن في النادي لا يمكن أن نتخذ أي تعليق بخصوصه، مخافة التأثير على مجريات القضية والبحث.
أعقب التسجيل الصوتي، رغم فتح تحقيق، احتجاج لهيئة المحامين، كيف ترون ردة الفعل هاته؟
هناك مواقف لهيئة الدفاع، إذ في البداية كان هناك تفاعل من طرف بعض الإطارات لزملائنا بالهيئة، كان مفهوما ومتفهما، لكن عندما تحول الأمر إلى احتجاج أمام المحكمة وداخلها، هنا وقع الاختلاف في وجهات النظر، لأن الاحتجاج من شأنه أن يؤثر على مجريات البحث، فكما شاهدنا في الوقفة الاحتجاجية والشعارات التي رفعت فهي ضد التأثير على القضاء. فكيف سندافع عن استقلالية القضاء ونواجه التأثير على القضاء بتأثير آخر. هنا كان مفترق الطرق بين النادي وهيئة الدفاع.
كنا نتمنى ألا تتم الوقفة، حفاظا عل أواصر الزمالة والأخوة بين الهيئتين، لكن عندما تمت كان لا بد لنادي القضاة أن يتدخل، بالبلاغ الذي حمل مجموعة من الرسائل التي في عمقها ليست ضد أي أحد، وإنما داعية إلا التشبث بالمبادئ الأساسية العليا، ليس في الخطاب والشعار، وإنما الممارسة أيضا.
بالمناسبة، الكثير من الزملاء المحامين الذين كنا على تواصل معهم خلال تلك الفترة صحيح عبروا عن امتعاضهم مما تضمنه التسجيل، لكن في المقابل عبروا عن عدم موافقتهم على مجموعة من السلوكيات التي صاحبته، والتي من شأنها التأثير على القضاء.
الآن هناك بحث جار في الموضوع، هل لكم ثقة في وصول السلطة القضائية إلى نتيجة عقبه؟
لنا ثقة كاملة في السلطة القضائية، في فتحها التحقيق في هذه القضية كما باقي القضايا، ولعل الدليل على ذلك السرعة في فتح التحقيق. أتذكر أن القرار صدر يوم السبت، وهو يوم عطلة قبل عيد الأضحى بيوم واحد..
إذا السلطة المختصة عندما بادرت إلى فتح تحقيق فهي تبعث إشارة إلى أنه سيكون نزيها وموضوعيا، ولنا الثقة الكاملة في السلطة القضائية وأجهزتها، سواء القضائية أو التأديبية.
بغض النظر عن مضمون التسجيل، ألا ترون أن مثل هذه الأمور تسيء إلى القضاء المغربي؟
الجواب عن هذا السؤال لا شك أنه سيفضي بنا، ولو عن طريق الإشارة، إلى اتخاذ موقف من مضمون التسجيل، وإذا اتجهنا في هذا الاتجاه سنقع في المحظور، وهو التأثير على مجريات الأبحاث.
إذا صح ما جاء في التسجيل الصوتي، بالنسبة لكم كقضاة، كيف يمكن تجاوز مثل هذه السلوكيات؟
الجواب عن هذا السؤال على مستويين: الأول، عبر عنه النادي في بلاغه، وهو أننا نرفض جميع أشكال التأثير على القضاء من طرف أي كان، خصوصا إن كان مصدرها مجموعات الضغط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أو القضائية. نحن كناد نتشبث باستقلالية القضاء، وندين جميع أشكال التأثير عليه. ثانيا، مواصلة تنزيل ورش التخليق داخل القضاء، لأن من شأن بعض السلوكيات التأثير على سمعة القضاء، والسبيل الوحيد للتصدي لها هو تفعيل ورش التخليق.
فالتخليق يتكون من عدة عناصر، منها النزاهة واستقلال القضاء وتجرده، والجرأة في اتخاذ القرارات وغيرها من العناصر. والنادي ينظر إلى التخليق نظرة شمولية لا تقتصر على النزاهة، علما أنها مهمة للغاية وتحتل الصدارة في منظومة التخليق. لهذا يتعين الدفع بتفعيل هذا الورش تفعيلا حقيقيا بفعل تشاركي وتعاوني بين جميع المتدخلين في منظومة العدالة.
يعني، بالنسبة لكم، أن تحصين القضاء من هذه التدخلات ينطلق من تخليق المنظومة؟
ليس التخليق لوحده، لأننا حين نتحدث عن تحصين القضاء فهذا يكون على مستويات متعددة، منها التخليق وأشياء أخرى؛ لأن التحصين مدلول يشي بضرورة سلوك إجراء من الإجراءات بصفة قبلية على وقوع سلوك من السلوكيات التي قد تكون مشينة.
ونذكر هنا أن أنواع التحصين متعددة، وأهمها التحصين الاقتصادي والاجتماعي للمنظومة ككل؛ فالتحصين لا يعني حقوقا فئوية، وإنما مجموعة من التدابير التي يتعين اتخاذها من الناحية الاقتصادية والاجتماعية لتحصين القضاء.
بالإضافة إلى ذلك فإن ورش التخليق مهم للرفع من منسوب المناعة الذاتية للقضاة، لأن هذه الأخيرة تعينهم تجاه ما قد يعترضهم خلال عملهم، من محاولة التأثير أو ضغوطات. وبالتالي يتعين العمل على الرفع من منسوب هذه المناعة، وذلك عن طريق ورش التخليق والتحصين الاقتصادي والاجتماعي للقضاة.
مطلب التحصين سبق رفعه للسلطات المختصة. أين وصل هذا الملف؟
فعلا، كنا تقدمنا بوثيقة المطالبة بالتحصين الاقتصادي والاجتماعي لاستقلالية السلطة القضائية، التي تم تأسيسها على الدستور والقوانين التنظيمية، ثم على مجمل المواثيق والإعلانات الدولية الموجهة إلى استقلالية السلطة القضائية. صحيح أننا تقدمنا بهذه الوثيقة إلى السلطات الحكومية المعنية، ما أعقبه لقاء مع وزير العدل السابق، الذي رحب بالتعاون لتنزيل بنودها، وتمت الاستجابة في ذلك لبعض المطالب، لكنها تبقى قليلة جدا، وكان يتعين على السلطة الحكومية الاستجابة لها لأن القوانين التنظيمية أقرتها وما على السلطة التنفيذية إلا تنزيلها.
بعدها كان تعديل حكومي، ثم أعقبته انتخابات تشريعية وتغيير لوزير العدل، لكننا مستمرون في المطالبة بتفعيل الوثيقة، وسنضع مشروعا جديدا.
يعني هذا أنكم لم تتواصلوا بعد مع الحكومة الجديدة؟
لم نتواصل مع وزارة العدل لأننا اخترنا تحيين الملف المطلبي، ليصبح ملفا متكامل الجوانب والقضايا المتعلقة بالتحصين الاقتصادي والاجتماعي للسلطة القضائية، وحين سننتهي منه وتتم المصادقة عليه وفق قوانين النادي سنتواصل مع الجهات المعنية بخصوصه، وسنترافع حوله لتحقيق ما سيتضمنه من مطالب.
هل بادرت الوزارة الحالية بالتواصل معكم بخصوص هذا المطلب؟
إلى حدود الساعة، لم تبادر الوزارة للتواصل معنا بخصوص هذا الملف الذي تم تقديمه لوزير العدل السابق.
علاقتكم بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية كيف يمكن تقييمها؟
علاقة النادي بالمجلس في الحقيقة يتعين تسليط الضوء عليها من خلال مرحلتين؛ الأولى هي الولاية الأولى للمجلس، حيث كانت العلاقة نوعا ما شبه منقطعة ومتوترة، لأن أبواب التواصل كانت موصدة؛ لذلك كنا نعبر عن مواقفنا علنا بواسطة بلاغات أو ما شابه ذلك. في المرحلة الثانية، أي عقب تعيين السيد الرئيس المنتدب الحالي، أول ورش ربما افتتحه المجلس هو باب التواصل في وجه الجمعيات المهنية بصفة عامة، ونادي قضاة المغرب بصفة خاصة، وأحدثت لجنة للتواصل مع الجمعيات.
هذه اللجنة نجحت في مسعاها الرامي إلى التواصل مع نادي قضاة المغرب، وفتح قنوات الحوار كلما استجد أمر في الوسط القضائي، فما كان من النادي إلا التفاعل مع هذا المبتغى؛ لذلك مد يده لهذا التواصل، وأضحت العلاقة بين المجلس والنادي مبنية على التعاون والتشارك والاحترام المتبادل بين الطرفين، في ما لا يمس باستقلالية أي طرف عن الآخر.
ما دمتم تحدثتم عن الجمعيات المهنية، الملاحظ أن بعضها عادة لا تظهر إلا في حالة الدفاع عن أحد المنتسبين لها، أو مطالب فئوية؛ أين هي من الدفاع عن استقلالية السلطة القضائية؟
الجواب عن ذلك محرج، ومرد ذلك إلى الميثاق الأخلاقي الذي سبق ووقعت عليه جميع الهيئات المهنية، والتزمت فيه جميع الأطراف بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لكل طرف.
أنا هنا أتحدث باسم نادي قضاة المغرب، الذي هو حاضر في المشهد القضائي، كما هو ملاحظ ومشهود. حضور النادي مرده أيضا إلى قناعة الأجهزة المسيرة له بأن الحراك من أهم العوامل لتأسيس ثقافة استقلال السلطة القضائية، وأن من شأن أي ديناميكية قضائية جمعوية أن تساهم في تعزيز هذه الثقافة داخل المجتمع، بحيث يصير المهتم وحتى المواطن العادي يدرك أن هناك مبدأ استقلالية القضاء الذي تتفرع عنه مبادئ أخرى.
هناك نقاش حول أحقية هذه الجمعيات المهنية في الدفاع عن مطالب القضاة. ما موقفكم من ذلك؟
الجواب يقتضي الحديث أولا عن دور الجمعية المهنية للقضاة، الذي تحدده مختلف المواثيق والمعايير والمبادئ التوجيهية المتعلقة باستقلالية السلطة القضائية، وأجمعت على أن التنظيمات المهنية هي الجهة الموكول لها أمر الدفاع عن استقلالية السلطة القضائية، وكذلك الدفاع عن حقوق القضاة ومصالحهم المشروعة، وتمثيلهم لدى الجهات الرسمية المعنية، سواء كانت حكومية أو غير حكومية.
إذا، عندما نخلص إلى هذه النتيجة، سنصل في النهاية بشكل بديهي إلى أن الجمعيات من حقها التقدم بمطالب تخص حقوق القضاة ومصالحهم ومطالب تخص استقلالية السلطة القضائية، لأن هذه الحقوق والمطالب في نهاية المطاف لا يمكن فصلها عن استقلالية سلطة القضاء، وتشكل ضمانات لهذه الاستقلالية.
وهناك وثائق ومرجعيات وطنية كرست ذلك، أهمها كلمة صاحب الجلالة حفظه الله، في فاتح مارس 2022، حيث أشار إلى أن الجمعية المهنية هي التي تدافع عن حقوق القضاة. وبالإضافة إلى هذه الكلمة هناك تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وكذلك قرار المحكمة الدستورية الصادر بمناسبة بثها في دستورية النظام الأساسي للقضاة.
ومن خلال هذه الوثائق لا أعتقد أن هناك جهة ما أحق بتقديم مطالب القضاة للجهات المسؤولة غير الجهات المهنية. صحيح أن هناك المجلس الأعلى للسلطة الذي يصدر تقارير حول قضايا تتعلق بمنظومة العدالة ووضعية القضاء، منها الوضعية الاجتماعية والمادية للقضاة، لكنه يبقى مؤسسة رسمية؛ فمن سيترافع ويدافع عن هذه التوصيات التي تظل غير ملزمة رغم أهميتها؟.
لذلك، نؤكد أنه يجب أن يكون هناك تكامل بين المجلس والجمعيات المهنية، وهذا يجد سنده حتى في الواقع، لأن النسق القانوني يعرف مثل هذه الجمعيات المهنية التي تدافع عن منخرطيها وحقوقهم ومصالحهم.
تمت المصادقة مؤخرا على قانون التنظيم القضائي، كيف وجدتم ذلك؟
بخصوص القانون، نحن واكبناه منذ البداية، وكانت لنا مواقف بخصوص بعض بنوده، لاسيما ما تعلق بالجمعية العمومية.. هذه الأخيرة خضعت لعدة تعديلات منذ مشروع القانون الأول، إلى المشروع الذي تم فيه حذف المقتضيات القانونية التي أقرتها المحكمة الدستورية، وقد فوجئنا بذلك، إذ تم التنصيص على جمعية عمومية إن صح التعبير بكون مقتضياتها شكلية، وتم سلب جميع الاختصاصات منها وأسندت إلى مكتب المحكمة، فصار المكتب هو المقرر الفعلي في توزيع الأشغال. وقد طلبنا من رئيس الحكومة، في مذكرة ترافعية، إحالة المشروع على المحكمة الدستورية، وكانت رغبتنا جامحة في الاحتكام لها، إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث، وهو حق للسلطة التشريعية.
القانون التنظيمي الآن أمر واقع وسيدخل للتنفيذ بعد ستة أشهر، وسنعرضه على أجهزة الجمعية للتفكير في ما يمكن القيام به دفاعا عما نراه صوابا في النادي، حماية لاستقلالية السلطة القضائية والقضاء، وعاملا من عوامل تحقيق النجاعة القضائية بالمحاكم وتسهيل حق التقاضي كما هو منصوص عليه في الدستور.
قبل أيام أصدرتم قرارا بنشر ممتلكات القضاة علنا.. هل هذا رد على ما يتم تداوله في المجتمع حول القضاة بعد التسجيل الصوتي؟
في الحقيقة هذا ليس ردا على ما يقال في الشارع، وإنما هو تفعيل وتنفيذ توصية للمجلس الوطني للنادي، صادرة سنة 2012، إذ كان المكتب التنفيذي آنذاك نشر ممتلكات وديون كل أعضائه، مع السماح للجميع بمراقبة هذه المعطيات.
والهدف من هذا القرار آنذاك، وكذا من تفعيله أيضا سنة 2022، هو دعم قيم النزاهة والشفافية، لأن العمل الجمعوي عمل ذو طبيعة عامة، مرتبط بالشأن العام الذي يتطلب الشفافية، لذلك كان النادي سباقا ربما إلى اتخاذ هذه المبادرة في أفق تعميمها على باقي الأجهزة المسيرة له.
بالتالي، فهذا دعم لقيم النزاهة، وثانيا تكسير لتلك النظرة النمطية إلى القضاة؛ فهناك من ينظر لهم بأنهم أغنياء أو أناس يشتغلون في الظلام.
لكن هناك حديثا عن اغتناء قضاة بشكل يتجاوز راتبهم الرسمي، ويملكون عقارات وضيعات وغيرها
أنا واضح، أتحدث عن جمعية نادي قضاة المغرب، والقرارات الصادرة عنها تلزم أعضاءها فقط؛ وهذا القرار الذي تم اتخاذه يأتي في إطار تنزيل ورش التخليق في النادي الذي ابتدأ من يوم التأسيس، ليتم إصدار الميثاق الأخلاقي لنادي قضاة المغرب الذي هو عبارة عن مجموعة من الالتزامات.
طيب، في حالة عدم تفاعل قضاة النادي مع قرار نشر الممتلكات، هل سيتم اتخاذ إجراءات في حقهم؟
الآن ليس هناك أي قرار، لكن ما أود التأكيد عليه هو أن خرق قرارات الجمعية لم يحصل بعد من أي قاض، وبالتالي من الصعب الإجابة عن هذا السؤال لأنه سابق لأوانه، إذ إن القضاة ملتزمون بالقيم العليا القضائية.
