
قال عبد الفتاح الحجمري، مدير مكتب تنسيق التعريب بالرباط، إن “الترجمة والتعريب يمثلان جسرا واصلا بين الثقافات، يمدّاننا بأفضل الإنتاج العلمي والفكري والثقافي والفني، بما ييسر لقراء العربية التعرف على جديد المعرفة في تلك المجالات وغيرها؛ كل ذلك من أجل إغناء الفكر العربي، وإرساء نهضة علمية في شتى فروع العلوم، وتعزيز البحث العلمي، وتطوير اللغة العربية، بحيث تصبح قادرة على التعبير عن منطلقات الثقافة الحديثة”.
وأضاف الحجمري، في محاضرة له بمركز الترجمة والتعريب والاهتمام باللغة العربية بدول مجلس التعاون لدول الخليج بمسقط – سلطنة عمان، أن “الترجمة والتعريب موضوع تكتنفه إشكاليات متعددة، يتصل بعضها بعدم تجديد الإستراتيجية المتعلقة بما يُترجَم أو يعرّب في شكل مؤسسي”، موضحا أن “هذا المجال يتطلب التفكير المتجدد في المشاريع الكبرى لنقل المعارف من اللغات الأكثر تداولا في العالم، مع الاهتمام بتوسيع مجالات الترجمة والتعريب وعدم اقتصارهما على الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية”.
وبعدما تساءل عبد الفتاح الحجمري، في هذا الصدد، “كيف نحلُّ مُعضلة تدنّي نسبة المُترجَم والمعرّب في عالم عربي يضم 22 دولة بأكثر من 450 مليون نسمة؟”، قال إن “الإحصائيات تشير إلى أن الكتاب المترجم في العالم العربي لا يصل إلى أكثر من 5 في المائة من إجمالي المنشور من الكتب؛ وإنتاج العالم العربي من الترجمة يعادل 1/10 إنتاج البرازيل، مع أن عدد سكان البرازيل نصف تعداد السكان العرب”.
وأشار المحاضر، في السياق ذاته، إلى أنه “تتم ترجمة كتاب واحد تقريبا لكل مليون نسمة في العالم العربي، مقابل 250 كتابا تقريبا لكل مليون نسمة في إسبانيا؛ ورغم ذلك لا نتوفر في العالم العربي على قاعدة بيانات دقيقة لمجمل ما ترجمنا، أو كمْ نُترجم سنويا، نعرف فقط بالتقريب وليست لدينا معطيات دقيقة”.
وبيّن الحجمري، في محاضرته، “طابع العفوية والتشتت في الجهود المبذولة في الترجمة والتعريب وتوزعها بين العديد من المؤسسات، أمام غياب خطة شاملة أو تنسيق مشترك يلبي احتياجات واقعنا الثقافي”، مضيفا أن “الترجمة والتعريب جهد ذاتي ينجزه مترجم فرد، وبالتالي فإنه يتميز في الغالب الأعمّ ببعض الفوضى في اختيار الكتب والمصطلحات”، وضرب لذلك مثالا من خلال مصطلح واحد يتوفر على عشر ترجمات هو Poétique بمقابلاته: الشعرية، الإنشائية، الشاعرية، علم الأدب، الفن الإبداعي، فن النظم، فن الشعر، نظرية الشعر، البويطيقا، البويتيك…”.
وختم مدير مكتب تنسيق التعريب بالرباط محاضرته بالقول إن “الترجمة والتعريب حظيا في العقدين الأخيرين بمكانة مهمة، بحثا وتدريسا وممارسة؛ وذلك من أجل مواصلة بناء الجسور بين الثقافة العربية والثقافات الأخرى، والحرص على توسيع انتشار الثقافة وتحقيق معرفة أفضل بالآخر”، مشيرا إلى أن “هذا أمر مطلوب لتوفير توازن بين فروع المعرفة المختلفة نسد به النقص في المكتبة العربية؛ لذلك، من المهمّ مواصلة دعم عمليات الترجمة والتعريب ماديا ومعنويا، من خلال بروتوكولات النشر المشترك؛ وإعداد المترجمين وتدريبهم وتطوير قدراتهم لتكوين أجيال جديدة من المترجمين”.