أورد التقرير الأخير الصادر عن مركز حقوق الإنسان والديمقراطية حول وضعية السجون في المغرب أن عدد الأخصائيين النفسيين العاملين في سجون المملكة لا يتعدى اختصاصيا واحدا لكل 1649 نزيلا، بينما هناك طبيب نفساني واحد للساكنة السجنية التي يناهز عددها تسعين ألف نزيل؛ لكن الخصاص لا يشمل فقط السجون، بل تعاني منه كافة ربوع المملكة.
ولا يتعدى عدد الأطباء النفسانيين في المغرب 430 طبيبا، بينما تفيد معطيات دراسة سابقة أنجزتها وزارة الصحة بأن 42.1 في المائة من المغاربة الذين تفوق أعمارهم 15 سنة عاشوا اضطرابا نفسيا أو عقليا في فترة من الفترات، ويعاني 26 في المائة منهم من الاكتئاب، بينما يعاني الباقون من أمراض نفسية أخرى، مثل القلق والاضطرابات الذهنية والفصام، ما يعني وجود حاجة ماسة إلى الأطباء النفسانيين.
فما سبب قلة عدد الأطباء النفسانيين في المغرب؟ وما تأثير ذلك على الصحة النفسية للمواطنين؟ وهل للأمر علاقة بتمثل المجتمع للطب النفسي؟… أسئلة يجيب عنها في هذا الحوار مع هسبريس عمر بطاس، الأستاذ بكلية الطب بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء.
هل يعاني المغرب من نقص حاد في الأطباء النفسانيين؟.
إذا استحضرنا أن تعداد ساكنة المغرب هو خمسة وثلاثون مليون نسمة، بينما عدد الأطباء النفسانيين لا يتعدى ما بين أربعمائة وثلاثين وأربعمائة وأربعين طبيبا نفسانيا، في القطاعين العام والخاص، وفي المستشفيات الجامعية والعسكرية، فهذا العدد يبين أن هناك خصاصا كبيرا.
وهناك إشكال آخر يتمثل في أن حوالي نصف عدد الأطباء النفسانيين يتمركزون في محور الدار البيضاء-القنيطرة.
ما سبب قلّة الأطباء النفسانيين في المغرب؟.
ليس هناك سبب واحد، بل أسباب متعددة، تتعلق بالمحددات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
الجانب المتعلق بالصحة النفسية كان مغيّبا لعدة سنوات في السياسات العمومية، ولم يبدأ الاهتمام به إلا في أوائل العشرية الثانية من الألفية الحالية، حيث وضعته وزارة الصحة في باب الأولويات، وبدأت ترصد له اعتمادات ومناصب مالية أكثر.
الطب النفسي هو تخصص عانى من التهميش، ولم يكن، كما أسلفت، ضمن أولويات السياسة العمومية منذ الاستقلال.
هل تغير هذا الوضع الآن؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يزدد عدد الأطباء المختصين في الطب النفسي؟.
التهميش الذي عانى منه الطب النفسي جعله تخصصا غير مُغرٍ، بل مخيفا في نظر طلاب كليات الطب، ما يجعلهم يتوجهون إلى تخصصات طبية أخرى.
إضافة إلى ذلك، هناك الجانب الثقافي، ذلك أن الإنسان الذي يشتغل مع المرضى الذين يعانون من اضطرابات نفسية وعقلية يُنظر إليه على أنه قد يكون أيضا يعاني من هذه الاضطرابات.
هل كانت هذه النظرة إلى الطب النفسي من المجتمع أم من الأطباء أنفسهم؟.
من الجميع. الأطباء أيضا هم أفراد ينتمون إلى البيئة المجتمعية نفسها، وهناك طلبةُ طب، خاصة الإناث، كانوا يطمحون إلى التخصص في الطب النفسي، غير أنهم تعرضوا لضغوط من طرف عائلاتهم وغيروا التخصص.
إذن هناك جوانب ثقافية واجتماعية، إضافة إلى أن تخصص الطب النفسي لم تُعطَ له الأهمية والأولوية، وقد تأكد الآن، بعد جائحة فيروس كورونا، أن المغرب يعاني من خصاص كبير في هذا المجال، حيث ارتفع بشكل كبير عدد الأشخاص الذين احتاجوا إلى العلاج النفسي.
ماذا عن وضعية الرعاية النفسية لنزلاء المؤسسات السجنية؟.
هناك طبيب نفساني واحد، وأخصائيون نفسانيون؛ وعموما يمكن القول إن القطاع الطبي النفسي غير جذاب، خاصة في السجون، حيث إن الاشتغال في فضاء مغلق، ومع ساكنة ذات خصوصية، يتسم بنوع من الصعوبة، لاسيما في ظل ضعف التحفيزات، نظرا لمحدودية الإمكانيات المادية المرصودة كميزانية لمندوبية السجون.
ما هو الفرق بين الطبيب النفساني والاختصاصي النفساني؟.
الطبيب النفساني هو طبيب كما في جميع التخصصات الطبية الأخرى؛ يشخّص حالة المريض، ويقترح العلاج المناسب له، ويمكنه أن يعرف هل الإضرابات النفسية التي يعاني منها عضوية أم نفسية، أم كلاهما، كما يمكنه أن يصف الأدوية للعلاج، لأنه خريج كلية الطب؛ أما الاختصاصي النفساني “Psychologue” فهو خريج كلية العلوم الإنسانية، والتكوين الذي يتلقاه يرتكز أساسا على المواكبة النفسية والعلاج النفسي، إذا كان المريض يحتاج فقط إلى العلاج النفسي بدون أخذ الدواء، ولا يسمح له في حالات بالتشخيص أو وصف الدواء للمرضى. أما إذا كانت هناك حاجة إلى أن يأخذ المريض الدواء فإن الطبيب النفساني هو المؤهّل لوصف الدواء المناسب، بعد تشخيص الحالة الصحية للمريض ومعرفة طبيعة المرض، لأن هناك أمراضا عضوية كالتي تصيب المخ تظهر في الأول في شكل اضطرابات نفسية.
والنصيحة التي نقدمها للناس الذين يشعرون باضطرابات نفسية، قبل أن يتوجهوا عند المعالج النفساني، أن يجروا استشارة لدى الطبيب النفسي أولا، لكي يشخص وضعيتهم، لمعرفة هل الاضطراب عضوي أم نفسي أم هما معا، وهل يحتاج العلاج إلى أخذ دواء، أم الاكتفاء بالجلسات فقط، أم هما معا، لأن كل حالة مرضية تعالَج على حدة، فمرض الفُصام، مثلا، لا يمكن أن يُعالج بالعلاج النفسي لوحده، وهناك بعض المقاربات العلاجية النفسية لا تناسب الأشخاص الذين يعانون من هذا المرض، فمثلا الأشخاص الذين يعانون من “السكيزوفرينيا” يحتاجون إلى أخذ الدواء، وأن يكون هناك تكامل بين الدواء والعلاج النفسي، وأن يكون العلاج ملائما لطبيعة الاضطراب الذي يعاني منه المريض.