قال لي تشانغ لين، سفير جمهورية الصين الشعبية بالمغرب، إن “بكين تطمح إلى تشييد الخط الثاني للقطار فائق السرعة “البراق”، والذي يفصل بين الدار البيضاء وأكادير”، مبرزا أن “الخبرة الصينية في مجال البنيات التحتية معترف بها عالميا”.
وأضاف السفير الصيني، في حوار أجراه مع جريدة هسبريس الإلكترونية، “نحن مستعدون لعرض تجربتنا وخبرتنا في مجال التدبير الفلاحي، خاصة في ما يتعلق ببناء السدود وتدبير المياه والأمن الغذائي”، مبرزا أن سنوات الجفاف وشح الأمطار تدفع إلى البحث عن حلول ناجعة.
وفي ما يتعلق بتشييد السدود، قال الدبلوماسي الصيني: “نحن نتوفر على خبرة كبيرة في هذا المجال؛ لكن يجب على المسؤولين المغاربة أن يثقوا في الخبرة الصينية من أجل العمل معا، حتى يؤمن المغرب حاجياته من القمح والحبوب والمياه”.
هنا نص الحوار كاملا:
نبدأ أولا بعودة الطلبة المغاربة إلى الصين، بعد مرور سنتين على أزمة كوفيد. هل من مستجدات حول هذا الموضوع؟
مرحبا بكم في سفارة الصين، بعد حلولي بالمملكة المغربية، شخصيا اشتغلت على هذا الموضوع، وكان ضمن أولوياتي، وأعرف مدى قلق الطلبة المغاربة بشأن مستقبلهم الدراسي وعائلاتهم. خلال الأيام الأخيرة، تلقيتُ تعليمات من بكين، تقضي بضمان عودة الطلبة المغاربة إلى الصين من أجل متابعة دراستهم، تبقت فقط بعض التفاصيل الصغيرة مرتبطة بالخدمات القنصلية والفيزا.
في ما يخص الجانب العملي، فإن سفارة الصين ستعلن عن إجراءات جديدة في القريب العاجل، وستعلن كذلك عن تاريخ بدء الإجراءات المتعلقة بالذهاب إلى الصين.
يعني أن عودة الطلبة ستكون مع انطلاق الموسم الدراسي المقبل؟
عودة الطلبة قريبة جدا، سيكون هناك مشكل مرتبط بطلبات التأشيرة وتذاكر الطيران. على العموم، فإن الصين أعادت فتح خطوطها الجوية مع عدد من الدول، والطلبة المغاربة الذين سينتقلون إلى الصين عليهم العبور عبر باريس أو دبي أو مدريد. وبالتالي، على الطلبة المغاربة أن يقتنوا التذاكر خلال هذه الفترة أو في الأسبوع المقبل.
هناك إجراءات تم اتخاذها على مستوى سفارة الصين من أجل تسهيل تنقل الطلبة المغاربة إلى بكين، سيكون هناك مشكل واحد يعيق هذه العملية مرتبط باقتناء التذاكر. لقد تلقينا تعليمات من بكين من أجل ضمان تنقل هؤلاء الطلبة.
هل من معطيات جديدة بشأن مبادرة “الحزام والطريق”، التي تجمع الصين بالمملكة المغربية؟
مبادرة “حزام واحد وطريق واحد” الصينية انطلقت على لسان الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال زيارة رسمية إلى كازاخستان، عام 2013. وبعد ذلك، تم إطلاق مبادرة أخرى في إندونيسيا، وهذا أول مشروع عمومي تم اقتراحه من قبل الصين على العالم، في ظل متغيرات اقتصادية يعرفها العالم.
ومنذ انطلاقها، كان المغرب أول بلد في إفريقيا وفي المغرب العربي ينضم إلى مبادرة “الحزام والطريق”، حيث وقع سنة 2017 على مذكرة تفاهم تسمح للمملكة بإقامة شراكات عديدة في قطاعات واعدة؛ مثل البنية التحتية، والصناعات المتطورة والتكنولوجيا. خلال السنوات الأخيرة، استطعنا تنفيذ مجموعة من المشاريع في إطار هذه المبادرة؛ مثل مشروع بناء وحدة صناعية صينية جديدة في القنيطرة، “سيتي ديكاستال”، والرائدة عالميا في مجال إنتاج قطع غيار السيارات من الألمنيوم، باستثمارات إجمالية تقدر بـ600 مليون دولار، ويصل معدل إنتاجها السنوي إلى 60 مليون قطعة، ويتم تصديرها إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. كما تم الاتفاق على بناء مدينة “طنجة تيك”؛ وهي تضم ثلاث وحدات رئيسية، وحدة صناعية ولوجستيكية، ووحدة عقارية، وهو مشروع رائد يعكس العلاقات الإستراتيجية بين البلدين ويسير في اتجاه تنزيل نتائج المبادرة.
وقد استقبلت في مقر السفارة عددا من المسؤولين الصينيين ورجال الأعمال من أجل البحث عن فرص للاستثمار في المغرب، بالإضافة إلى مقاولات تشتغل في مجالات إستراتيجية وحيوية؛ من قبيل إنتاج البطاريات والشواحن الكهربائية. المقاولات الصينية تعتبر المغرب بلدا مهما، ويتوفر على مؤهلات قوية لتشجيع الاستثمار؛ مثل القرب الجغرافي من أوروبا، وباعتبارها بوابة إفريقيا. كما أن المغرب يتوفر على يد عاملة مؤهلة ومناخ مشجع، والصين ستجعل من المغرب محطة تلاقي بين القارات الثلاث والعالم العربي.
وباعتباري سفيرا للصين، فإن مهمتي هي تعزيز الشراكة الإستراتيجية مع المغرب، ومبادرة “الحزام والطريق” تمثل مرحلة أساسية في اتجاه تحقيق هذا الهدف.
المغرب كان دائما إلى جانب الصين في مسألة وحدتها الترابية، وقد عبر عن ذلك بشكل صريح في “أزمة جزيرة تايوان”. كيف تقيمون مستوى الدعم المغربي في هذه القضية؟
خلال عام 2016، زار الملك محمد السادس الجمهورية الشعبية الصينية؛ وهي زيارة تاريخية، حيث تم التوقيع على اتفاقيات إستراتيجية، مع العمل على دعم الثقة السياسية بين البلدين، لا سيما في ما يتعلق بالمواضيع السيادية الحيوية. وقد كنا دائما إلى جانب المغرب في جميع الملفات الحيوية.
بالنسبة إلى أزمة تايوان، التي أثارتها زيارة رئيسة مجلس النواب، رغم ما لاقته من رفض صيني واضح، هي قامت بهذه الزيارة التي خرقت الوحدة الصينية وعطلت فرص التعاون مع الولايات المتحدة، رغم وجود قرار صادر عام 1971 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، في دورتها السادسة والعشرين، القرار رقم 2758 الذي ينص على إعادة كافة الحقوق المشروعة لجمهورية الصين الشعبية في الأمم المتحدة والاعتراف بممثل حكومتها باعتباره الممثل الشرعي الوحيد للصين. وفي هذا السياق، تايوان لم تكن يوما دولة، والصين وتايوان يتشاركان نفس الأمة الصينية، والأمور الصينية يجب أن تحل من قبل الصينيين بدون أي تدخل خارجي.
هذه الزيارة هي بمثابة تصعيد خطير، وتهدد الاستقرار الداخلي لتايوان. نحن نعترف بالدعم المغربي في هذه الأزمة، ونثمنه، وننظر معا صوب المستقبل، وسنعمل على دعم المملكة في جميع المحطات. والمغرب من بين 170 دولة التي دعمت وحدة الصين وتايوان.
ماذا عن الموقف الصيني من الصحراء؟ وكيف تنظرون إلى الصراع المغربي الجزائري؟
مر على قدومي إلى المغرب ما يقرب عن عام وأربعة أشهر، وفي كل يوم أقرأ في الجرائد وأسمع في الراديو عن موضوع الصحراء، أعرف أن ملف الصحراء هو الملف الأساس بالنسبة إلى المغاربة، والقضية رقم واحد في المغرب. وبالنسبة إلى الصين، خلال خمس سنوات الأخيرة صوتنا لصالح قرارات مجلس الأمن حول الصحراء، ونحن مع الحل السياسي الدائم الذي يرضي كل الأطراف المعنية بالنزاع.
في كل يوم نتابع هذا الملف على مستوى الأمم المتحدة نحاول أن نساهم في بناء حل سياسي للملف، ونحن مع عودة المسلسل السياسي لهذا الملف.
تمر المملكة من أزمة اقتصادية كبيرة نتيجة انحسار الأمطار وتوالي سنوات الجفاف. كيف يمكن للصين أن تدعم الرباط لتحقيق التوازن المطلوب، خاصة في ما يتعلق بإمدادات الحبوب؟
لا أملك تفاصيل كافية بشأن تصدير الحبوب والقمح، ما أعرفه هو أنه في الماضي قمنا بشراكات تعاون في المجال الفلاحي، وقد حققنا نتائج مذهلة، نحن مع الاستهلاك الذاتي وتحقيق المصلحة الداخلية أولا.
لقد استقبلت، خلال الأيام الماضية، بعثة صينية لها شراكة عمل مع المكتب الشريف للفوسفاط، من خلال بناء وحدات فلاحية. هذه الشراكة تهم بالأساس استخراج جيد للأسمدة من أجل استغلالها في المجال الفلاحي، بطريقة ذكية ومستدامة.
بالنسبة إلى الصين التي هي دولة لها ارتباط كبير بالقطاع الفلاحي، فإن الإنتاج موجه بالأساس إلى الداخل وللصينين، وفقا لتوجيهات الرئيس الصيني. وبفضل هذه السياسة، استطعنا حل مشكل الغذاء للصينيين الذين يمثلون 20 في المائة من ساكنة العالم.
نحن مستعدون لعرض تجربتنا وخبرتنا في مجال التدبير الفلاحي، خاصة في ما يتعلق ببناء السدود وتدبير المياه والأمن الغذائي. وقد اشتغلت في بوغندا، حيث قمنا بتنزيل المخططات الصينية هناك، وقد توصلنا إلى نتائج مهمة وجد إيجابية.
في ما يتعلق بتشييد السدود نحن نتوفر على خبرة كبيرة في هذا المجال؛ لكن يجب على المسؤولين المغاربة أن يثقوا في الخبرة الصينية من أجل العمل معا، حتى يؤمن المغرب حاجياته من القمح والحبوب والمياه.
تحدثت عن الثقة، ما الذي يمنع المغرب من التعاون معكم؟ هل لذلك علاقة بشبكة مصالحه مع الغرب؟
لا أعتقد ذلك. المغرب حسم في مسألة شركائه الإستراتيجيين، والملك محمد السادس خط طريق التنوع في علاقاته مع الدول، والمغرب خلال العشر سنوات الأخيرة تبنى سياسة تنويع المحاور، ولهذا السبب قام الملك بزيارة رسمية إلى الصين في عام 2016، كما زار روسيا كذلك. الصين تريد تقوية العلاقات مع الرباط، ونحن على علم بأن المغرب يتوجه أكثر صوب الغرب وأوروبا؛ ولكن ومع صعود الصين، نحن نمد أيدينا لمساعدة المغرب، خاصة في مجال البنيات التحتية لاسيما تشييد الخط الثاني للقطار السريع TGV.
لقد تطورنا كثيرا خاصة في البنيات التحتية؛ بينما المغرب شيد الخط الأول للقطار السريع ونحن على استعداد للمساعدة في تشييد الخط الثاني، وهذا يخدم العلاقات المغربية الصينية.
الصين تحاول تدارك تأخرها في المغرب، وستعمل على تنويع شراكاتها مع الرباط، وهناك مجموعة من الأشياء يمكن القيام بها مع الأصدقاء المغاربة.
