يشير الفلسطيني سعيد إلى الحفرة التي أحدثها صاروخ إسرائيلي في الإسفلت بالقرب من “برج فلسطين”، في حي الرمال غرب مدينة غزة، في قصف استهدف أحد قادة حركة الجهاد الإسلامي مطلع شهر غشت الجاري.
ويقول سعيد قاصدا القيادي تيسير الجعبري: “هذا المكان الذي كان يجلس فيه”.
قصفت إسرائيل “برج فلسطين”، حيث كان الجعبري يجتمع مع 7 من عناصر “الجهاد”، في الطابق السادس من المبنى، وفق ما أكد مصدر فلسطيني لـ”فرانس برس”.
وبدأت جولة التصعيد الأخيرة في 5 غشت الجاري، إذ شنت إسرائيل عملية عسكرية قالت إنها تستهدف من خلالها حركة الجهاد الإسلامي وأسفرت عن استشهاد ما لا يقلّ عن 49 فلسطينيا، بينهم 17 طفلا؛ فيما أصيب أكثر من 350، حسب وزارة الصحة الفلسطينية في القطاع.
وفي الجانب الإسرائيلي سجلت 3 إصابات بشظايا، بعدما قررت “الحركة” الرد على ما جرى بإطلاق دفعات من الصواريخ باتجاه إسرائيل.
واعترفت الحركة الإسلامية بأن الضربات الإسرائيلية مثلت صفعة لقياداتها، خاصة أنها كشفت عن فشل بعض صواريخ النشطاء وأيضا الانقسام الحاصل بين “الجهاد”، من جهة، وحركة “حماس” الحاكمة في قطاع غزة، من جهة ثانية.
من جانبه، قال يائير لبيد، رئيس الوزراء العبري، إن القصف الإسرائيلي “وجّه ضربة مدمرة استهدفت “القيادة العسكرية العليا بأكملها للحركة الإسلامية في غزة؛ المدعومة من إيران”.
وحسب إسرائيل فإن القصف الجوي والمدفعي على مواقع “الجهاد الإسلامي” كان ضمن “عملية استباقية لمنع هجوم محتمل”.
لكن أحمد المدلل، عضو المكتب السياسي للحركة، أكد لوكالة “فرانس برس” أنه تم استبدال القادة المستهدفين بآخرين “خلال دقائق”، على الرغم من قناعته، وهو الذي فقد نجله زياد، بأن الحركة تلقت ضربة قاسية.
وكان زياد المدلل قائدا ميدانيا في حركة الجهاد الإسلامي، وقتل خلال القصف الذي استهدف القيادي البارز خالد منصور.
وحسب المدلل فإن “هذه الجولة كانت صعبة”. وأضاف ضمن التصريح نفسه: “فقدنا العديد من القادة العسكريين الكبار والمهمين بالنسبة لنا”.
خلل في الصواريخ
ردت “الجهاد الإسلامي” على إسرائيل بإطلاق أكثر من ألف صاروخ، بعضها وقع في أراض زراعية فيما اعترض البعض الآخر نظام القبة الحديدية.
من جهة أخرى؛ تؤكد إسرائيل أن “بعض الوفيات في صفوف المدنيين في غزة نجمت عن فشل في إطلاق صواريخ النشطاء”، وهو ما يشير إليه بعض السكان المحليين أيضا.
وتسببت صواريخ محلية في مقتل عدد من الفلسطينيين بالخطأ، بينهم أربعة أطفال في مخيم جباليا؛ وهو ما جعل عناصر الجهاد الإسلامي في مرمى الانتقاد، وخاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ويقول عبد الرحمن: “كنت في بيتي مع زوجتي وأطفالي عندما سمعنا صوت انفجار ضخم. وبعدها بدقيقتين نظرت من النافذة فإذا بمشهد مرعب أمامي”.
وأضاف، وقد فضل عدم ذكر اسمه كاملا لأسباب أمنية، “دُمر بيت قريب منا ورأيت أشلاء الشهداء والمصابين”، وتابع: “أحد الصواريخ التي أطلقت نحو إسرائيل سقط على المنزل”.
أما سهى، وهي من سكان مخيم جباليا للاجئين، فذ هبت إلى أنها “حرب وفيها أخطاء من الاحتلال ومن المقاومة”، في إشارة إلى إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي.
لكن سهى، بعدما فضلت عدم ذكر اسمها بالكامل للأسباب عينها، قالت إنها “رأت صاروخا يسقط على منزل جيرانيها” وأن “وجود الاحتلال هو السبب دائما”. وأردفت: “أطلب من المقاومة التدقيق أكثر”.
وتداول النشطاء عبر الإنترنيت مقطع فيديو يرصد لحظة إطلاق أحد الصواريخ من قطاع غزة، والذي ما لبث أن انحرف عن مساره في اتجاه أحد المباني المأهولة بالسكان؛ ثم سمع صوت انفجار وبدأت أعمدة الدخان تتصاعد.
وسجل محمد شحادة، المحلل السياسي من المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أنهم “حاولوا (الجهاد الإسلامي) تحسين مدى والقوة التفجيرية لصواريخهم؛ لكن لم يكن ذلك وفق قاعدة علمية صلبة”.
ويعتبر شحادة أن الصواريخ “التي تجاوزت 40 كيلومترا لم تكن جيدة، من الناحية الميكانيكية والفنية؛ ما تسبب برجوعها نحو غزة”.
وأشار المحلل السياسي ذاته إلى أن هذه الأخطاء كانت “مصدر إحباط ومرارة شديدين لسكان القطاع”.
انقسام
تسبب التصعيد الإسرائيلي الدامية في قطاع غزة، والذي استمر 3 أيام، في توسيع دائرة الانقسام بين حركتي “الجهاد” و”حماس”؛ حيث الأخيرة امتنعت عن المشاركة في القتال.
وقال عضو بارز في حركة “حماس”، ضمن تصريح لـ”فرانس برس”، إن قادة الحركة استشاطوا غضبا مما اعتبروه تهورا قامت به حركة الجهاد الإسلامي.
في خضم التصعيد، أعلن زياد النخالة، الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، “الانتصار” من مكان إقامته في إيران.
وبالنسبة للمحلل السياسي شحادة فإن “حماس لطالما عرضت على الجهاد الإسلامي المساعدة في تصميم الصواريخ وتحسينها؛ لكنهم في الجهاد كانوا يؤكدون دائما أنهم يتحكمون فيها”.
ويعتقد شحادة أنه، على عكس النزاعات السابقة، لم يكن لدى حركة الجهاد الإسلامية الكثير لتظهره خلال التصعيد الذي انتهى في 7 غشت الجاري بوساطة مصرية.
وأضاف: “عادة ما توافق حماس على وقف إطلاق النار مع تحقيق بعض النتائج الملموسة لسكان القطاع؛ لكن النزاع الأخير لم يقدم أي شيء”.
أما المدلل، المستمر في حزنه على ابنه، فتعهد بأن “الحركة ستتعافى”، لافتا إلى أنها “فقدت قادة آخرين من قبل؛ لكن مقاومة الناس ومسيرة الجهاد لم تتوقفا”.