
سحر جمالي ونداء صامت للتزاوج، وجسر للربط بين ما هو روحي ومادي في الجسد. ينقل الوثائقي “ذاكرة الجسد” للمنتج حسين حنين قصص الجدات مع “لوشام”، ويفك رموزا حملت تاريخا كاملا وثقافة متفردة امتدت لقرون.
ويحاول الوثائقي، الذي اطلعت عليه هسبريس، أن ينبش في تاريخ وهوية الرسومات على أجساد جيل الجدات التي بدأت تختفي تدريجيا. يقول منتج الوثائقي: “بدأ الوشم في معظم القبائل الأمازيغية يختفي تدريجيا، حسب المناطق؛ ومع رحيل الجدات يطمس جزء كبير من الهوية المغربية، وترحل معه حكاياتهن الشفوية ورموزهن”.
هذه الرحلة في فك ألغاز هذه الرموز ودلالاتها، الموشومة على أماكن مكشوفة من أجساد النساء، قادت فريق عمل الوثائقي، رفقة المخرج محمد زاغو، إلى استكشاف الهويات المغربية المتعددة، في عدد من المناطق المغربية. وانطلقت الرحلة من قبائل آيت سغروشن، مرورا بالخميسات، وتيفلت، وخنيفرة، والحسيمة، وتنغير، لتحط الرحال في قلعة مكونة، ثم تارودانت.
يورد الحسين حنين في هذا الصدد: “لم تكن رحلة ‘ذاكرة الجسد’ سهلة. بدأت رحلة فك رموز رسومات الوشم على أجساد الجدات قبل انتشار الوباء وانتهت قبل بضعة أشهر فقط. ومع الأسف بعد عودتنا فوجئنا بأن إحدى السيدات التي يتضمن الوثائقي قصتها رحلت إلى دار البقاء”، وأضاف: “ربما يحمل الوثائقي آخر ملامح ذاكرة ‘لوشام’ في المغرب، من خلال حكايات الجدات الدافئة، وذاكرة وثقافة امتدت لقرون، وبدأت تختفي برحيلهن”.
منهن من اختارت الوشم عنوانا للزينة، وأخريات للإثارة الجنسية والتميز بين النساء البالغات والمتزوجات، مع رسومات أخرى ارتبطت بخرافات الشفاء من الأمراض وإبعاد العين والحسد. لكن يورد المنتج المغربي: “مهما اختلفت حكايات الجدات واعتقاداتهن المرتبطة بدلالاته الوشم يبقى تلك اللغة المرهفة التي تعبر عن رغبات الجسد، وذلك الجمال الذي لم تنل منه السنون ولا يغيبه سوى الموت، وزينة جاورت التجاعيد لتعطي إشعاعا للجسد النسائي” .
ومع التغييرات التي يعرفها المجتمع المغربي، وتغيير نظرة الإنسان للكون وعلاقته بالخالق، اتجهت العديد من النساء إلى التخلص من الوشوم على أجسادهنّ، أحياناً بطرقٍ غير طبّية، معتقداتٍ أنّهنّ يكفّرن عن ذنبٍ أو خطأ.
يتابع المنتج حنين: “الكثير من النساء اليوم اللواتي يحملن وشما يعملن بجهد لإزالته، إذ أصبحن ينظرن إليه كعلامة تشوه أجسادهن، بعد وعي النساء بتحريم الإسلام لهاته العادة، ما جعل الكثيرات منهن يلجأن لإزالته عن طريق الليزر، فيما غير القادرات على تكلفته يلجأن إلى طرق تقليدية تلحق أضرارا بأجسادهن في الكثير من الأحيان؛ فيما تواصل أخريات العيش به إلى أن تموت أجسادهن الموشومة الشاهدة على عادة أصبحت من الماضي”.