تشابك أفكار، استطرادات، ورؤى متعددة حول “الأصلِ” وترجماته، عرفها معرض الكتاب بالرباط، في حوار جمع كاتبا ومترجمَه.
عبد الفتاح كيليطو، الذي حضر كاتبا، وعبد السلام بنعبد العالي، الحاضر مترجِما، خاضا حوارا، أمام قرّائهما، حول الترجمة والترجمات وحاجة الكتاب لترجمته، وحاجة الترجمة للكتاب الأصلي.
ولم تخل الجلسة من أمثلة مضادة تحاول نقض مركزية “الكتاب الأصلي” المترجَم، باستحضار عبد السلام بن عبد العالي رواية “الخبز الحافي” لمحمد شكري التي قُرئت ترجمتها قبل نصّها الأصلي، وهو ما أمّن عليه كيليطو، مستحضرا كون مسرحية “فاوست”، لـ غوته، ترجمت إلى الفرنسية قبل قراءتها بالأصل الألماني، ومقدما مثالا بترجمات إلى الإنجليزية الآن تسبق في صدورها النص بلغته الأصلية.
جاء هذا بعدما تحدث كيليطو عن استحالة وجود ترجمة قبل الأصل، ولو أن “الأصل بذاته مدين للترجمة؛ يطلبها ويحن إليها”.
في مثل هذه الجلسة، رأى بنعبد العالي أن “المترجم في وضعية متهم”، وهو ما جعله يذكّر بـ”الدَّين المتبادل” بين الأصل والترجمة، قبل أن يبرز “المترجم القابع في قلب كل كاتب”.
وتابع المتحدث ذاته: “الازدواجية اللغوية تتخلل كل لغة، وتجعل الكاتب دائما في وضعية ترجمة، أي انتقال وحوار بين لغتين”؛ لأن هناك “لغة مضمرة في ثنايا أخرى، حتى عند كُتّاب العربية، مهما كان تمكنهم من لغة أجنبيةٍ، لأن نماذجَهم الأدبية أجنبيةٌ في جزء منها”.
وفي حواره مع “عبد الفتاح عاشق اللسانَين”، تطرق بنعبد العالي إلى “اللبس الذي يتبين للمؤلف نفسه حول نصه، ونواقص الأصل التي لن يتبيّنها دون ترجمة”، وزاد: “لغة كيليطو تنتج دائما في خضم الترجمة (…) الكاتب في عملية ترجمة وترجمات لا تتوقف، وفي قلب كل كاتب يكمن مترجم، ومترجمون، فما بالك بنصوص عبد الفتاح من الثقافة العربية وعنها”.
من جهته، انطلق عبد الفتاح كيليطو بالقول إن “النص واحد لا يكاد يتغير والمترجمون سلسلة عبر التاريخ”، وأضاف: “لا يتفق مترجمان على ترجمة جملة من الأدب، وقد يبلغ الاختلاف حد العداوة”.
وانتصر كيليطو لفكرة وجود “محبة وانجذاب بين النص الأصلي وترجمته، يسعيان لبعضها، لا أحد يريد العيش دون الآخر، وحياة كليهما رهينة بالآخر، ولو صح وجود تنافر بينهما، فهو تنافر بين لغتَيهما”.
هذا التنافر قد يجعل الترجمة مستحيلة، كما في عنوان فرعي هو “Fins de la litterature”، الذي يحتمل معنَيَي “نهايات الأدب” و”أهداف الأدب” في الأصل الفرنسي، ولا يمكن الاكتفاء بأحدهما دون الآخر عند الترجمة.
وتوقف كيليطو عند “فضح الترجمة النصَّ الأصلي” التي وصفها بكونها “فكرة عزيزة على الأستاذ بنعبد العالي”، في حين أن الأمر لا يتعلق بفضح نص لنص بل يتعلق بـ”لغة ولغة”.
وواصل كيليطو شارحا: “الترجمة تُظهر حتى للمؤلِّف نفسه ما تُضمِرُه اللغة الأصلية، وتظهر عيوب النص الأصلي”، مضيفا هنا دور “فضح اللغة” لأدوار الترجمة.
هذا الفضح “ليس فضح عورات وعيوب” بقدر ما هو “كشف وتعرية”، بالنسبة لكاتب “يتكلم جميع اللغات، لكن بالعربية”.