النجاحات الدبلوماسية المنتصرة لمغربية الصحراء في المحافل الدولية، دليل، وفق أمين سر أكاديمية المملكة، “على عدالة موقف يضمن حوزة البلاد ويعزز صورتها المشرفة والمشرقة لدى كل المؤسسات والهيئات والمنظمات الدولية، والمعاهد والجامعات ومراكز البحث”.
واستشهد عبد الجليل لحجمري، أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، للدلالة على هذا الزخم المستمر بمؤلفين أجنبيّين حديثتي الصدور، قدما بمقر الأكاديمية بالرباط، هما الكتاب الجماعي “إعادة التفكير في النزاع حول الصحراء: التاريخ ووجهات نظر معاصرة”، وكتاب الباحث ألفونس زوزيمي تامكمتا “الصحراء المغربية: معالم نزاعاتية وآفاق سلمية”.
وقال لحجمري إن أول الكتابين صادر عن “ائتلاف الحكم الذاتي في الصحراء باعتباره شبكة مستقلة مؤلفة من ثلاثة آلاف محام وأكاديمي وصحافي وفاعل في المجتمع المدني يلتزمون بالدفاع عن مغربية الصحراء ووجاهة مبادرته بالحكم الذاتي، يكتسي أهمية بالغة باقتراحه مقاربة مستقبلية للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، مثلما يثير الانتباه إلى تداعياته الإقليمية وتأثيره على الفضاءات الأوروبية والمتوسطية ومنطقة الساحل، هذا فضلا عن مجمل التهديدات الأمنية الناجمة عن استمراره، مع التأكيد على أن مبادرة الحكم الذاتي المغربية هي الحل السياسي الوحيد الذي يتسم بالواقعية والاستدامة”.
أما ثاني الكتابين فأعده الكاتب ألفونس زوزيمي تامكمتا، وهو “مرجع مهم بالنسبة لكل باحث مهتمّ بالرهانات المحيطة بالصحراء المغربية وآفاق تأثيراتها على تنمية القارة الإفريقية؛ مع التأكيد أيضا على أن النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، هو نزاع مقصود تم إذكاؤه من قبل جوار مباشر يستمرّ في إغفال حقيقتين تاريخيتين، هما: المسيرة الخضراء التي أبدعها الملك الحسن الثاني (…) في 6 نونبر 1975، والاتفاق الثلاثي لمدريد (المغرب وموريتانيا وإسبانيا) في 14 نونبر 1975 الذي تُوج بانسحاب السلطة الإدارية (إسبانيا) من الصحراء سنة 1976”.
وسجل الأكاديمي أن الجهود التي تبذلها المملكة المغربية بقيادة الملك محمد السادس “من أجل توفير التنمية الشاملة لأقاليمنا الصحراوية ومختلف جهات المملكة”، نابعة من إيمان بـ”عدالة قضيتنا وجدوى الارتكاز على الشرعية الدولية والتاريخية والمؤسساتية”، قبل أن يزيد أن “الاعتراف المتزايد بالحقوق الثابتة لبلادنا في سيادتها على أقاليمها الجنوبية خير دليل على ذلك، وهو دليل يثمر كل يوم اعترافا دوليا متناميا بتزايد عدد القنصليات الأجنبية وقد وصل إلى 26 قنصلية، منها 14 بمدينة الداخلة و12 بمدينة العيون، كل ذلك يعزز ويرسخ مكانة المملكة المغربية إقليميا وقاريا، وهي بذلك حريصة كل الحرص على احترام كل الالتزامات والمواثيق الدولية”.
وواصل عبد الجليل لحجمري بأن “التنمية الشاملة التي تشهدها بلادنا على أكثر من صعيد اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، كانت وراء اعتماد الجهوية المتقدمة باعتبارها إطارا مناسبا لتوفير عدالة مجالية هي سبيل كل تنمية مستدامة بين مختلف جهات المملكة”، وهو ما عبر عنه ملك البلاد في رسالته إلى المشاركين في الدورة الرابعة لمنتدى كرانس مونتانا الذي احتضنته مدينة الداخلة في مارس 2018، وقال فيها: “إن الجهوية المتقدمة ليست مجرد تدبير ترابي أو إداري، بل هي تجسيد فعلي لإدارة قوية على تجديد بنيات الدولة وتحديثها، بما يضمن توطيد دعائم التنمية المندمجة لمجالاتنا الترابية”.
ومع “ما يتمتع به موقع المغرب الجيو-استراتيجي الذي تلاقحت حضارات على شواطئه المطلة على البحرين الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، وما يتميز به من استقرار سياسي وتعايش اجتماعي وائتلاف شعبي في ظل نظامه الملكي”، لم يستغرب لحجمري أن يظل البلد “مطمعا للمستعمرين وعقدة للغيورين والانفصاليين”، ثم أضاف شارحا: “إذا كان الاستعمار قديما رغم قوته العسكرية والتحالفات الإيديولوجية الدولية التي احتلت مدنه وأقاليمه، فإن المغرب قد حقق استقلاله بقوة وحدة شعبه وإيمانه بسيادة بلده وقيادة ملوكه العلويين”. هذا الاستقلال الذي اعتبره الملك محمد الخامس “جهاداً أصغر لجهاد أكبر”.
مقاومة الاستعمار بالمغرب، عبر العهود، لم تقتصر على المقاومة السياسية، حسب أمين سر الأكاديمية، بل “تلاقى فيها النضال السياسي والدبلوماسي والفكري التنويري”، وهو “ما جعل إسبانيا أمام المبررات القانونية والدبلوماسية الرشيدة، ومسيرته الخضراء الشعبية السلمية، تضطر إلى الانجلاء عن صحرائه المغربية؛ فكان ذلك ثمرة لتشبت المغاربة بشرعية نظامهم الملكي والتزامهم وإجماعهم وتضحياتهم”.
هنا، يبرز لحجمري دور أكاديمية المملكة المغربية “باعتبارها مؤسسة وطنية عليا للفكر والثقافة” قد عملت، منذ أن أرسى دعائم تأسيسها الملك الحسن الثاني، وأعطى انطلاقتها الجديدة راعيها الملك محمد السادس، “على تحصين مقومات الهوية الوطنية، بروافدها ومكوناتها، وتعزيز قيم الولاء الديني والوطني والملكي في مختلف أنشطتها”.
وهكذا أولت “أهمية ثقافية لأقاليمنا المغربية الجنوبية، وخصصت لتراثها الثقافي بنوعيه المادي والفكري حيزاً من اهتماماتها صيانة له، وتعزيزاً لمغربيته، وتعريفا بجذوره المغربية وأبعاده الإنسانية والحضارية”.
وقدمت الورقة أمثلة بالدورة المحتفلة بالذكرى “الخمسين لثورة الملك والشعب” التي عقدتها الأكاديمية بمقرها بين 22 و24 غشت عام 2003.
كما نظمت الأكاديمية يومين دراسيين في مجال العناية بالتراث المادي من 26 إلى 27 سبتمبر 2019 حول “الموقع الأثري والطبيعي لحوض واد نون بالتعاون مع مديرية التراث الثقافي والمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، قدم فيهما الخبراء المتخصصون دراسات وبـحوثاً تناولت الخصوصية الأثرية والطبيعية لحوض واد نون من خلال تجلية الوجود الإنساني والتراثي الماضوي لموقع حوض واد نون وعلاقته بالبيئة الطبيعية، وتشخيص مظاهره ومعالمه الجمالية والسياحية والأثرية والبيئية”، وهو ما نشر بعده كتاب بعنوان “حوض واد نون”.
و”في مجال العناية بالتراث غير المادي لمناطقنا الصحراوية”، خصصت الأكاديمية يوما دراسيا خلال 11 نوفمبر 2020 “للتعريف بالشعر الحساني (التبراع) الذي يعبر عن أجلى خصوصيات الإبداع الغزلي النسوي الصحراوي؛ حيث نبغ النساء الشواعر في نظمه وإبداع صوره، وتسجيل مشاعر المرأة الحسانية بمختلف أبعادها الإنسانية وقيمها الجمالية، فتخللت هذا اليوم محاضرة تعريفية بهذا الشعر قدمتها السيدة عزيزة عكيدة وقراءات شعرية قدمتها السيدة عبيدي خديجة مصحوبة بوصلة موسيقية قدمها السيد الجنحاوي لغظف، وإلى جانب هذا اليوم الدراسي قامت الأكاديمية بجمع وتدوين وتسجيل متن شفاهي لهذه الأشعار، ونشرها في كتاب عام تحت عنوان التبراع”.
و”موازاة مع هذه الأنشطة المرسخة لثقافة الوحدة الترابية والاجتماعية والمؤكدة لشرعية سيادتنا الوطنية على صحرائنا المغربية”، عملت الأكاديمية من خلال دبلوماسيتها الثقافية في دوراتها وندواتها وإصداراتها ولقاءاتها التوعوية، على “تأكيد حقوق المغرب الشرعية في أراضيه الصحراوية، والتعريف بالروابط الثقافية والتاريخية والشرعية بين مختلف الأقاليم المغربية، بما فيها الجنوبية، لدى القيادات الفكرية المدعوة للمشاركة في أنشطة الأكاديمية، وهي تحتل مواقع المسؤولية الإعلامية والسياسية والثقافية في المناطق الإفريقية، والغربية والآسيوية والعربية.”