“العدالة تحققت”.. بهذه العبارة علّق الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي ظل، على الرغم من تدابير عزله طيلة فترة إصابته مؤخرا بفيروس ‘كورونا’، على اطّلاع وتتبع مباشر بالضربة الصاروخية التي قتلت زعيم “تنظيم القاعدة” الظواهري، السبت الماضي (30 يوليوز 2022)، في حي دبلوماسي بالعاصمة الأفغانية كابل.
وأعلن بايدن، مساء أمس الاثنين، في كلمة ألقاها من شُرفة الغرفة الزرقاء في البيت الأبيض: “الآن، تم تحقيق العدالة، وهذا الزعيم الإرهابي لم يعد له وجود… لم يعُد الناس في جميع أنحاء العالم بحاجة إلى الخوف من القاتل الشرير والحازم”، مضيفا في نبرة مشددة: “تواصل الولايات المتحدة إظهار عزمنا وقدرتنا على الدفاع عن الشعب الأمريكي ضد أولئك الذين يسعون إلى إلحاق الأذى بنا”.
وتعود تفاصيل العملية قبل ستة أشهر من الآن حين تابعت الاستخبارات الأمريكية تحركات “زعيم القاعدة” مع وصوله إلى كابل للاستقرار فيها مع مطلع هذا العام؛ لكن اجتماعات الرئيس بايدن مع مسؤولي المخابرات والأمن القومي تكثفت، خلال الشهرين الماضييْن، في غرفة العمليات بالبيت الأبيض.
وقد ساعد “تحديد نمط حياة الظواهري” من خلال مصادر معلومات مستقلة متعددة لتوجيه العملية من طرف فريق شُكّل خصيصا لهذا الغرض. ونقلت وسائل إعلام أمريكية عن مسؤول بإدارة بايدن أنه “بمجرد وصول الظواهري إلى المنزل الآمن في كابل، لم يعلم المسؤولون أنه كان قد غادره، قبل رصده في شُرفته مرات عديدة، إلى أن تم استهدافه أخيرا”.
كما حقق المسؤولون في “طريقة بناء المنزل الآمن وطبيعته”، ودققوا في قاطنيه للتأكد من أن الولايات المتحدة يمكن أن تنفذ بثقة عملية لقتل الظواهري دون تهديد سلامة المبنى وتقليل المخاطر على المدنيين وعائلة الظواهري.
وكان لافتا أن تقوم أجهزة الاستخبارات الأمريكية ببناء “نموذج مصغر” لمنزل الظواهري، قبل أن يُطلعوا بايدن عليه في البيت الأبيض ويقوم الرئيس بفحصه. وقال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية، حسب ما ذكرته “سي إن إن”، إن بايدن “تساءل كيف يمكن أن تضيء الشمس المنزل وكذا عن مواد البناء وكيف يمكن أن يؤثر الطقس على أي عملية محتملة”.
وكشفت وكالة “رويترز” حرص بايدن ومستشاري إدارته على توفير “غطاء قانوني للعملية”؛ إذ عمدت مجموعة منتقاة من كبار المحامين المشتركين بين الوكالات إلى فحص تقارير المخابرات، مؤكدين أن “الظواهري هدف قانوني بناء على قيادته المستمرة للقاعدة”.
وأضاف المصدر ذاته أن الرئيس دعا، يوم 25 يوليوز المنقضي، كبار أعضاء إدارته ومستشاريه لـ”تلقي إحاطة أخيرة ومناقشة كيف سيؤثر قتل الظواهري على علاقة أمريكا مع حركة طالبان، من بين قضايا أخرى” أثيرت خلال هذا الاجتماع. وبعد التماس آراء الآخرين في الغرفة، أذِنَ بايدن بتنفيذ “ضربة جوية دقيقة” شريطة أن “تقلل من خطر وقوع إصابات في صفوف المدنيين”.
مصدر مسؤول ضمن فريق الإدارة الأمريكية تحدث إلى وسائل إعلام محلية شريطة عدم الكشف عن هويته، لفت إلى أن تركيز المسؤولين وهمّهم الأول انصب منذ فترة طويلة، بشكل خاص، على “ضمان أن كل خطوة تُتخذ لضمان أن العملية ستقلل من خطر وقوع خسائر في صفوف المدنيين”، قبل أن يطلب بايدن من فريقه الحصول على مزيد من المعلومات حول خطط المبنى وكيف يمكن أن تؤثر الضربة عليه، دون حتى الإضرار بعائلة الظواهري.
بايدن أورد خلفيات مقتل الرجل الأول المطلوب عالميا، وهي أكبر ضربة يتلقاها “تنظيم القاعدة” بعد مصرع زعيمه ومؤسسه السابق أسامة بن لادن عام 2011، قائلا إن الظواهري كان قد “شارك بشكل عميق في عمليات التخطيط والتنسيق للهجمات الإرهابية للـ11 من شتنبر، وهي واحدة من أكبر الهجمات في تاريخ أمريكا التي أودت بحياة قرابة ثلاثة آلاف شخص. كما أنه كان، على مدى عقود، ‘العقل المدبر’ للهجمات ضد الأمريكيين”.
وكشفت صحيفة نيويورك تايمز أن “المنزل الذي تعرض للغارة الأمريكية كان في مِلكية أحد كبار مساعدي سراج الدين حقاني، وزير الداخلية الأفغاني”، لافتة إلى أن الصور المنشورة للغارة تبين أنه هجوم بصواريخ دقيقة، من طراز “هيل فاير” أطلقتها طائرة مسيّرة، ليست تابعة لوزارة الدفاع (البنتاغون)، حسب وسائل إعلام أمريكية.
يشار إلى أن الغارة، التي أرْدت بالظواهري قتيلا وأصابت شخصا آخر بجروح، استهدفت يوم السبت 30 يوليوز، على الساعة التاسعة و48 دقيقة مساء بتوقيت شرق الولايات المتحدة (01:48 بتوقيت غرينتش) منزلا في الحي الدبلوماسي قرب السفارة الأمريكية في العاصمة الأفغانية كابل. وقد وقفت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) خلف تنسيقها وتنفيذها، حسب ما نقلته صحيفة “بوليتيكو” عن مسؤولين أمريكيين.