في الصباح الباكر من يوم الجمعة 24 يونيو 2022، شيء ما أقلق نوم ساكنة الحي المتاخم لمعبر “باريو تشينو” بالناظور على الحدود الوهمية مع مدينة مليلية المحتلة؛ علا الصراخ والضجيج بعد اقتراب نحو 1700 مهاجر غير نظامي من دول أفريقيا جنوب الصحراء من المعبر واضعين نصب أعينهم اقتحامه والعبور نحو الضفة الأخرى، لكن الأمر لم يكن بتلك السهولة التي كانوا يتخيلونها-أو بعضهم على الأقل-حيث وجدوا أمامهم أعدادا كبيرة من عناصر القوات العمومية التي حاولت منعهم من الاقتراب من المعبر، ليدخلوا معها في اشتباكات استعمل فيها العنف من الجانبين.
الحصيلة بعد يوم من الواقعة، 23 قتيلاً في صفوف المقتحمين و76 إصابة، منها 13 بليغة، عزت السلطات المحلّية بالناظور أسبابها إلى التدافع والسقوط من أعلى السياج الحدودي خلال محاولة الاقتحام، لكنه لم يكن السبب الوحيد، حسب جمعيات ومنظمات حقوقية، أهمها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي قالت في تقرير لها صدر في 20 يوليوز الماضي إن “التدخل العنيف للقوات العمومية والاختناق بالغاز المسيل للدموع أو الإصابة بالحجارة، أدى أيضا إلى ما لا يقل عن 27 وفاة في صفوف المهاجرين”، إلى جانب إصابة 140 من أفراد القوات العمومية بجروح متفاوتة الخطورة، ضمنهم 5 أفراد إصاباتهم خطيرة، فيما لم يتمكّن من الوصول إلى الثغر المحتل سوى 133 فرداً، وفق أرقام السلطات الإسبانية.
في الوقت ذاته، كان لدى السلطات الأمنية والدرك الملكي 65 معتقلاً على خلفية هذه الأحداث، تبيّن من خلال محاضر الاستماع إليهم أن جميعهم يتحدّرون من السودان باستثناء 3 منهم (واحد من تشاد والثاني من اليمن والثالث من جنوب السودان)، موزعين على قضيتين، إحداهما ابتدائية توبع فيها 33 مهاجراً في ملفين بجنح تتعلّق بالاتفاق والمشاركة في محاولة الخروج السري من التراب الوطني، والثانية استئنافية توبع فيها 28 مهاجراً في ملفين أيضا بتهم جنائية تتعلّق بتنظيم عملية الاقتحام والانضمام إلى عصابة إجرامية وإضرام النار في الغابة واحتجاز أفراد من القوات العمومية، إلى جانب تهمة استعمال العنف ضد رجال القوة العمومية التي توبع بها جميع الموقوفين.
بعد حوالي شهرين، وبالضبط في الـ17 من غشت الجاري، انتهى الفصل الأول من محاكمة المعنيين بهذه الأحداث، حيث قضت المحكمة الابتدائية بالناظور بإدانة جميع المتابعين أمامها بـ11 شهراً حبساً نافذاً، فيما قضت غرفة الجنايات باستئنافية الناظور بحبس 13 من المتابعين الـ28 أمامها سنتين ونصف السنة، إلى جانب غرامات مالية وتعويضات لفائدة المطالبين بالحق المدني من أفراد القوات العمومية، فيما ينتظر الـ15 المتبقون السابع من شتنبر المقبل للنظر في ملفهم، ويُرجّح أن تكون آخر جلسة قبل النطق بالحكم في حقهم، بعد تأجيل سابقاتها بسبب تخلّف المشتكين عن الحضور.
شهران على أحداث سياج “باريو تشينو”
في ساحة “باب الغربي” كما في المدينة القديمة لوجدة والكنيسة الكاثوليكية وسط المدينة وأحياء بلمراح والقدس والأندلس، يبيت ويتجوّل عشرات المهاجرين السودانيين وبعض التشاديين والإيريتريين؛ يعيشون حياة هادئة مجدداً رغم كل ما يعتريها من نقص في الطعام والنظافة، لكن عنصر الأمان حاضر لدى الذين يكترون شققا في الأحياء سالفة الذكر أو الذين احتضنتهم الكنيسة الوحيدة بالمدينة، وحتى الذين يبيتون في العراء بحي شعبي قرب مدخل “باب الغربي”، فيما تفرّق العشرات ممن كانوا يتّخذون من قنطرة “الواد الناشف” مأوى لهم، بعد طردهم من طرف السلطات الأمنية، وفق الشهادات التي استقتها هسبريس من محيط القنطرة.
هسبريس قامت بجولة في هذه المناطق وقابلت مجموعة من هؤلاء. حين قابلناهم بحر الأسبوع الماضي، كانوا قد وصلوا قبل أياما قليلة فقط، بينما أصدقاء لهم-لم يكونوا حاضرين-وصلوا قبل يومين فقط، هذه المجموعة أكدت أنها سمعت بأحداث “الجمعة السوداء” حين كانت في الجزائر، “سمعنا عن الأحداث بشكل عابر فقط لا نعلم بتفاصيلها، لكن سمعنا أنه كان هناك ضحايا”، يقول محمد، سوداني في الـ17 من العمر يتحدّر من منطقة “أم درمان”.
محمد الذي ينتمي لعائلة فقيرة لم يتواصل معها منذ وقت طويل لعدم توفّرها على هاتف، قطع آلاف الكيلومترات عبر ليبيا والجزائر، ولا ينفك يؤكد وهو يتحدّث إلينا-مستحضراً الحديث عن دخول مهاجرين غير نظاميين في مواجهات عنيفة مع القوات العمومية المغربية-أن “الأشخاص يختلفون؛ أشخاص يريدون العنف وأشخاص لا يريدون ذلك”. كما أكد بعضهم، خاصة الأصغر سناً منهم، أنهم لا ينوون-في الوقت الحالي على الأقل-الهجرة إلى أوروبا، سواء عبر مدينة مليلية المحتلة أو قوارب التهجير السرّي. أما حامد، صاحب الـ24 ربيعا، فأكد أنه ينتظر “إلى حين أن يأذن الله”.
على الرّغم من صعوبة العيش في هذا المكان (بقعة أرضية غير مبنية بين منزلين مليئة بالركام والنفايات وتنبعث منها روائح كريهة وتحيط بها أسلاك صدئة)، إلا أن محمدا وأصدقاءه يجدون فيها مكانا آمنا “لم نجده في السودان أو البلدان التي مررنا بها، نفضّل البقاء هنا في الوقت الحالي، رغم اشتياقنا لأهلنا الذين خرجنا من بلدنا من أجلهم”، يقول محمد قبل أن يوضّح أن “الأشخاص مهددون في السودان بالموت أو الحبس، لكن طريق الهروب لم تكن سهلة كذلك، في ليبيا الحياة صعبة وكنا مطاردين باستمرار، وفي الجزائر الشيء نفسه، لا يمكن دخول المدن أو القرى المأهولة بالسكان، نمشي في الجبال فقط دون مأكل ولا مشرب، إذا كشّوك يودّوك النيجر طوالي” (يقصد أنه في حال تم اعتقالهم في الجزائر يرحّلونهم مباشرة إلى مراكز احتجاز سيئة السمعة في النيجر)”.
أما إبراهيم (16 سنة) فيحلم باستكمال دراسته في المغرب، يقول: “أحب التعليم لكن الوضع المعيشي يمنعني، نحن الآن في وسط أكوام النفايات ولأيام لم نستحم، وتعلم أن النظافة تحفّز العقل والإبداع، أما الأكل ففي كل يوم لا نعرف إن كنا سنأكل أم لا، يشفق علينا بعض السكان في بعض الأوقات فيعطوننا مأكلا، والحقيقة (صمت قليلا) نحن نعيش على الله ونفكر في البحث عن العمل هنا حتى لا نبقى على هذا الحال”.
حضور لافت للجنسية السودانية
كانت الجنسية السودانية الأبرز خلال هذه الأحداث، وهكذا ربطت وسائل إعلام محلية ودولية محاولة الاقتحام بهذه الجنسية-في البداية على الأقل-قبل أن يظهر خلال جلسات محاكمة المتابعين أن من بينهم 3 مواطنين من جنسيات أخرى. أما بالنسبة للمتوفين منهم، فلم يتم الكشف إلى حدود الساعة عن جنسياتهم، فيما كشفت مصادر حقوقية لهسبريس أنه يجري في الشهر الحالي التعرّف على هوياتهم باستعمال تقنيات الحمض النووي ومراسلة أهاليهم.
هذا الحضور اللافت للجنسية السودانية دفعنا لطرح السؤال: لماذا؟ يقول الصحافي السوداني عثمان عبد الحليم إن الظروف الاقتصادية الصعبة وقيام الثروة التي أدت إلى عزل عمر البشير وقيام حكومة انتقالية زادت من تأزيم الوضع بالزيادة في أسعار مجموعة من المواد الأساسية، ودفعت بآلاف السودانيين، خلال نهاية سنة 2019، إلى مغادرة البلاد، إلى جانب النزاعات الأهلية التي كانت متواجدة من قبل وتفاقمت، خاصة في غرب وشرق البلاد.
وأبرز عبد الحليم، في حديث لهسبريس، أن هذه الأوضاع خلّفت يأسا في نفوس السودانيين، خاصة الشباب منهم، حيث بدأ التفكير في الهجرة وإن كانت غير نظامية، قائلا إن “الهروب من السودان كان هدفا معلنا للشباب حتى وإن كان ينطوي على مخاطر كبيرة، حيث تحوّل الحديث في جميع منصات التواصل الاجتماعي إلى طرق الخروج من البلاد”.
ولم يكن المغرب الوجهة الوحيدة للفارّين من السودان، وفق المتحدّث ذاته الذي أكد أن آخر تقرير للمنظمة الدولية للهجرة عدّد 4 ملايين مهاجر ولاجئ سوداني في مصر، مشكّلين أعلى نسبة من المهاجرين، متفوّقين على الجنسية السورية، فيما اختار البعض الآخر ليبيا للهجرة من هناك إلى إيطاليا عبر البحر، لكن الأخبار المتداولة عن هذه الفئة دائماً ما تضعهم في عداد الوفيات، إلى جانب احتجازهم من قبل عصابات الاتجار بالبشر التي تطالب بفدية من أهاليهم.
وبالنسبة لعبد الحليم، فوصول المهاجرين السودانيين إلى سياج مدينة مليلية المحتلة يدل على مستوى يأسهم؛ إذ “أصبحوا يطرقون كل الأبواب”، مشيرا في السياق ذاته إلى أن هناك من بين الشباب السودانيين من وصل إلى إسرائيل.
الحرب على الهجرة غير النظامية
كشف تقرير الجمعية المغربية لحقوق الإنسان-فرع الناظور، الصادر في 20 يوليوز الماضي، بشأن أحداث الجمعة 24 يونيو، أن محاولة اقتحام سياج “باريو تشينو” سبقتها مطاردات من قبل السلطات المغربية، بدأت بمراقبة أعدادهم وتحركاتهم بطائرات بدون طيار “درون” مباشرة بعد تجمع 1500 مهاجر غير نظامي في مخيمي “الخميس أقديم وبقويا”، فيما استمرت عمليات مطاردتهم ومحاولة طردهم من الغابة خلال 18 يوماً التي سبقت يوم محاولة الاقتحام بشكل شبه يومي.
تأكيداً لذلك، كشفت المديرية العامة للأمن الوطني في تقريرها نصف السنوي لسنة 2022، أنها سخرت لمحاربة صور الجريمة التي لها امتدادات إقليمية ودولية، موارد بشرية إضافية وإمكانيات مادية مهمة، مما مكن من تحقيق معدلات زجر مرتفعة، حيث تم تسجيل 277 قضية تتعلق بمكافحة الهجرة غير المشروعة بنسبة ارتفاع مضاعفة وصلت 194 قضية إضافية مقارنة مع النصف الأول من السنة المنصرمة.
وعلى مستوى مدينة وجدة، باعتبارها أول محطة للمهاجرين القادمين من مختلف الدول الأفريقية الذين يمرّون عبر نقاط محدّدة في الشريط الحدودي بين المغرب والجزائر الممتد على حوالي 60 كيلومترا، وهي “راس عصفور قرب وجدة وتويسيت ضواحي جرادة وولاد عياد وأهل أنكاد ثم منطقة سيدي يحيى”، لوحظ تراجع ملحوظ في أعدادهم منذ أحداث السياج.
وأكد حسن عمّاري، رئيس جمعية مساعدة المهاجرين في وضعية صعبة، أن السلطات المغربية شدّدت الحراسة على الحدود البرية الشرقية بعد أحداث “باريو تشينو”، حيث تعرف في الوقت الراهن عبور ما بين 25 و30 مهاجرا في الأسبوع، عكس ما قبل الأحداث المذكورة التي كانت تعرف توافد أزيد من مائة مهاجر في الأسبوع.
في المقابل، أشار عمّاري، ضمن تصريح لهسبريس، إلى أن هذه الأرقام ليست مبنية على إحصائيات دقيقة، وذلك بالنظر إلى استحالة القيام بذلك من طرف أي جهة لشساعة مساحة الشريط الحدودي وقلّة مراكز الحراسة الحدودية؛ إذ تفصل بين الواحد والآخر حوالي 10 كيلومترات.
دركي أوروبا
في مقابل الانتقادات الموجّهة إليه من طرف الجمعيات والهيئات الحقوقية المعنية بملف الهجرة التي وصفته بـ”دركي الاتحاد الأوروبي في شمال أفريقيا”، تعتبر إسبانيا والاتحاد الأوروبي المغرب شريكًا “استراتيجيا وملتزما”، حيث كشفت صحيفة “إلباييس”، قبل أسبوع، أن الاتحاد الأوروبي يستعد لرفع قيمة المساعدات المالية لفائدة المغرب لمكافحة الهجرة غير النظامية بنسبة 50 في المائة، ومن المرتقب أن يتوصّل بدفعة لا تقل عن 500 مليون يورو تهم السنوات ما بين 2021 و2027، وهو ما يعني، وفق حقوقيين، أن تشديد الخناق على المهاجرين سيزيد في السنوات المقبلة.
وجاءت هذه المساعدات المرتقبة مباشرة بعد اللقاء الذي جمع في الثامن من يوليوز الماضي بالرباط، أسبوعين على الأحداث المذكورة، كلاًّ من المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية، إيلفا يوهانسون، ووزير الداخلية الإسباني، فيرناندو غراندي مارلاسكا، ووزير الداخلية المغربي، عبد الوافي لفتيت، الذين اتفقوا على تجديد شراكتهم لمواجهة شبكات الاتجار بالأشخاص بشكل مشترك.
كما تأتي في ظل تنامي تخوّف الاتحاد الأوروبي من أزمة هجرة محتملة؛ إذ أكدت مفوضة الشؤون الداخلية للاتحاد الأوروبي، إيلفا يوهانسون، عقب اجتماع غير رسمي لوزراء الداخلية لدول الاتحاد الأوروبي في براغ، قبل أسبوع، أن “الناس قد لا يشعرون بأمان في بلدانهم، وقد يحاولون مغادرتها”، مشيرة إلى أن ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية قد يتسبب في عدم الاستقرار في دول أخرى، ويؤدي إلى موجة الإرهاب والجريمة المنظمة، مشددة على ضرورة العمل مع الشركاء بهذا الخصوص.
الاندماج في المجتمع المغربي
يعتقد فاعلون في مجال الهجرة أن التصدي لهذه الظاهرة لا يكون بالضرورة عبر مقاربة أمنية يرونها “غير مجدية”، ويقترحون في المقابل العمل على تسهيل اندماج المهاجرين في المجتمع المغربي، عبر تسهيل حصولهم على بطائق الإقامة واحترام حقوق حاملي وثائق المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والسماح لهم بالاشتغال، وتقييم نجاعة “الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء” التي أطلقها المغرب سنة 2013.
ولتعزيز هذا الاندماج، اختار البرنامج الجهوي لمبادرات الهجرة، الذي ينفذ من قبل “Expertise France” بشراكة مع وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج وولايتي جهة الشرق وسوس ماسة ومجلسيهما الجهويين، مدينة وجدة لاحتضان 3 مشاريع من بين 5 بالجهة (واحد في الناظور وآخر في بركان) بغلاف مالي قدره 5 ملايين و100 ألف درهم.
ومن بين المشاريع الثلاثة، تعمل “جمعية رواد التغيير من أجل التنمية والثقافة على مشروع “جميعا من أجل التعايش الثقافي”، الذي يهدف إلى دعم التنزيل الجهوي لسياسة الهجرة التي يعتمدها المغرب من خلال “الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء”، وجعل وجدة مدينة حاضنة للتنوع وتعايش جميع فئات وجنسيات المهاجرين وطالبي اللجوء والأجانب المستقرّين بها.
وعبر هذا المشروع تعمل الجمعية على فتح مركز استقبال “بيت العيش المشترك”، هو الأول من نوعه في المغرب، يخصص لتوجيه المهاجرين والوافدين لأول مرة على مدينة وجدة باعتبارها أول مستقبل لهم في التراب الوطني، وتوفير احتياجاتهم الصحية والاجتماعية والثقافية، بتنسيق مع جمعيات تشتغل في مجالي الهجرة واللجوء، كإدماج أطفال المهاجرين في المؤسسات التعليمية ومساعدتهم في استكمال إجراءات طلبات الإقامة واللجوء. وسيتولى مهمة الإشراف على هذا المركز مهاجرون مستقرّون بالمدينة ومغاربة.
في هذا السياق، قال شكيب سبايبي، المدير التنفيذي لجمعية “رواد التغيير”، إن مجموعة من المهاجرين وطالبي اللجوء الذين يقطنون في عدد من الأحياء الشعبية بالمدينة أبدوا رغبة في الاندماج والتخلي عن فكرة اعتبار مدينة وجدة والمغرب بشكل عام محطة عبور فقط، وهو ما أكدته كذلك إفادات مجموعة من المعتقلين على خلفية الأحداث المذكورة أمام محكمتي الناظور الابتدائية والاستئنافية-التي تابعتها هسبريس منذ انطلاقها-إذ أكدت تقدّم مجموعة منهم بطلبات اللجوء لدى مختلف مكاتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، من بينها مكتب وجدة.
وتحدث سبايبي، ضمن تصريح لهسبريس، عن تجارب كثيرة في المدينة لمهاجرين ولجوا إليها بنيّة الهجرة نحو أوروبا، سواء عبر “قوارب الموت” أو عبر سياج مليلية المحتلة، قبل أن يقرّروا الاستقرار بها بعد حصولهم على فرص عمل أو تكوينهم لأسر، مبرزا أن مجموعة من هذه الفئة يتوفّرون على حرف وتجارب في مجالات عمل مختلفة تؤهلهم للاستفادة منها داخل المدينة.
لكن حسن عمّاري، رئيس جمعية مساعدة المهاجرين في وضعية صعبة، يستحضر تجارب أخرى مماثلة لمهاجرين قضوا أزيد من عشر سنوات داخل مدينة وجدة اشتغلوا وتزوجوا بها ثم نفذوا عملية للهجرة غير النظامية نحو أوروبا، من بينهم مهاجرون اشتغلوا في إطار جمعيات تمكّنوا من خلالها من استصدار تأشيرة إحدى الدول الأوروبية فرحلوا دون عودة.
واعتبر عمّاري أن أغلب المهاجرين يقدّمون طلبات اللجوء بالمغرب فقط لتجنّب مطاردات السلطات الأمنية والترحيل، إلى جانب تمكينهم من الحصول على فرص عمل بسيطة لتوفير ثمن رحلات الهجرة غير النظامية بعد ذلك.
وبالنسبة للفاعل الحقوقي ذاته، فإن معالجة مشكل الهجرة غير النظامية لن يتأتى إلا بحل مشاكل المهاجرين في بلدانهم الأصلية التي حمّل مسؤوليتها لبعض “دول الاتحاد الأوروبي الاستعمارية”، لافتاً إلى أن الهدوء الذي يخيّم على محيط مليلية في الوقت الحالي لن يدوم إلى الأبد، حيث أظهرت تجارب سابقة أنه “كلّما اشتد الخناق على المهاجرين ظهرت طرق جديدة للهجرة”.