بعيدا عن التوجيهات الكلاسيكية التي ألِف خريجو الجامعات والمعاهد العليا المغربية سماعها من المسؤولين، وجه فاعلون اقتصاديون رسالة إلى الخريجين مفادها أن “الشهادات العليا وحدها لا تكفي”، وأن أرباب المقاولات يبحثون لدى المتقدم بطلب للشغل في القطاع الخاص عن أشياء أخرى أكثر أهمية، في مقدمتها ما يملكه من مؤهلات، وأن يكون لديه فكر مقاولاتي، كما شخصوا “الأعطاب” التي تقف عائقا أمام الخريجين للولوج إلى سوق الشغل، كضعف القدرة على التواصل.
بثينة عراقي حسيني، رئيسة فرع الاتحاد العام لمقاولات المغرب بجهة الرباط-سلا-القنيطرة، قالت في المناظرة الجهوية حول المخطط الوطني لتسريع تحول منظومة التعليم العالي بالجهة، إن أرباب المقاولات “يبحثون عمّا خلف المعلومات المدوَّنة في السيَر الذاتية، التي تقدم الوجه الأجمل لحاملها”، مضيفة أن المقاولة تحتاج إلى أشخاص يتوفرون على المهارات الناعمة (Soft skills)، ولديهم الفكر المقاولاتي في ذهنهم، ويتحلون بالسلوك الحسن.
وقالت حسيني، في تصريح لهسبريس، إن “الدبلوم ليس هو المؤهلات”، مضيفة: “هناك عدد من الخريجين يتوفرون على ديبلومات متميزة لكنهم يفتقرون إلى التجربة المهنية، ونحن نقترح، لتجاوز هذا المشكل، أن يستفيد الطلبة من دورات تدريبية داخل المقاولات طول مسارهم الدراسي حتى يكتسبوا المهارات الناعمة”.
واعتبرت الفاعلة الاقتصادية ذاتها أن الطلبة لا يمكن أن يكتسبوا المهارات الناعمة من خلال ما يتلقونه في الجامعات والمعاهد فقط، بل لا بد من تعزيزه بالعمل الميداني، “من أجل اكتساب الفكر المقاولاتي، ويتحلّوا بروح المقاول، ويكتسبوا القدرة على مواجهة وتحمّل المخاطر”.
وعلى الرغم من أن الجامعات المغربية تخرّج عشرات الآلاف، إلا أن نسبة كبيرة منهم لا يتوفرون على مؤهلات ملائمة لمتطلبات سوق الشغل، وهو ما عبرت عنه عراقي بقولها: “في جهة الرباط-سلا-القنيطرة، هناك 180 ألف طالب، ولكن نحن كمقاولين حين نبحث عن أطر بمؤهلات معينة لا نجدهم، رغم أننا نعرض أجورا مرتفعة”.
علاقة بذلك، قالت المتحدثة ذاتها إن مقياس الأجور في القطاع الخاص لم يعد يعتمد على عدد الشهادات الجامعية، بل على المؤهلات المهنية، موردة أنه “خلال مقابلة التوظيف، التي قد تمتد إلى ساعة ونصف، يستطلع صاحب المقاولة مجموعة من الأمور، من قبيل مدى شجاعة الشخص المتقدم بطلب التشغيل، وهل هو قادر على الاعتماد على نفسه لحل المشاكل التي ستعترضه في عمله”.
وتابعت بأن “الذي يريد أن ينخرط في عالم المقاولة، عليه أن يكون شجاعا وأن يبحث ويسأل ويستمر في التكوين عوض الاكتفاء فقط بالديبلومات، لأن ما يهمنا كمقاولين هو التجربة والروح المقاولاتية لدى الخريجين والثقة والمعقول”.
وانتقدت عراقي حسيني، في حديثها لهسبريس، عدم منح أجور للمتدربين في المقاولات، داعية إلى تغيير القانون المنظم لهذا المجال والاقتداء بدول أخرى، حيث يحصل المتدربون في المقاولات على تعويضات مالية “من أجل صيانة كرامتهم”، مضيفة: “اليوم طلبة الطب يقولون بأنهم معنْدهومْشْ باشْ يْكمْلو الشهر، وهادْشي حرام”.
وإضافة إلى مشكل ضعف “المهارات الناعمة” لخريجي الجامعة المغربية، ثمة عوائق أخرى تحول دون إدماجهم في عالم المقاولة، من بينها عائق التواصل، حيث أشار محمد أيوب حسان، المدير الجهوي للوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات بجهة الرباط-سلا-القنيطرة، إلى أن عدم التمكن من مهارات التواصل يجعل الخريج أثناء مقابلة التوظيف غير قادر عن إبراز مؤهلاته.
ودعا حسان خريجي الجامعة المغربية، لا سيما الكليات ذات الاستقطاب المفتوح، إلى الحرص على التوفر على أربعة جوازات، هي المهارات الناعمة، واللغات، والرقمنة، وروح المقاولة.