منذ أواخر سنة 2019, كان العالم على موعد مع العديد من الأزمات، كانت البداية مع الأزمة الصحية العالمية جائحة “كورونا” التي أبانت عن نقص في الموارد على جميع المستويات عبر العالم، بالإضافة إلى أزمة القمح التي انفجرت على خلفية اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية؛ وهو ما جعل السوق الدولية متوجسة من عودة تكرار سيناريو أزمة الأرز التي انفجرت سنة 2008 إلى جانب أزمة الغاز والقمح الحالية.
ففي سنة 2007 وبدون مقدمات، قامت دولة الفيتنام بفرض حظر على صادراتها التجارية من محصول الأرز، على الرغم من مخزونها الوافر حيث كان يعتبر الإنتاج العالمي للأرز هو الأضخم آنذاك؛ لكن القرار الفيتنامي كانت له أسباب داخلية، من أهمها زيادة الأسعار الغذائية التي بلغت نسبة 19 في المائة.
ولمواجهة هذه الزيادات، قامت الفيتنام بتزويد المعروض المحلي بالأرز, التي هي منتجة له, عوض القمح الذي تستورده, والذي ازداد سعره بنسبة 87 في المائة في الفترة الممتدة بين سنتي 2007 و2008.
وبعد مرور شهر, قامت الهند بدورها بفرض حظر على صادراتها من الأرز معللة قرارها بنهج نفس سياسة السيطرة على أسعار الغذاء. وفي بداية سنة 2008, التحقت كل من مصر وكمبوديا والبرازيل والصين وإندونيسيا وبورما بالفيتنام والهند اللتين حظرتا صادراتهما من الأرز.
إن حالات الحظر وفرض قيود على الصادرات من الأرز كانت سببا في الهلع الذي دفع بالحكومات إلى اقتناء كميات وفيرة من هذه المادة من أي مكان في العالم؛ مثل الفلبين التي اشترت في أربعة أشهر كمية تستهلكها عادة لمدة سنة، وكذا السعودية التي رفعت نسبة وارداتها من الأرز إلى 90 في المائة.
بين ارتفاع الأسعار ومحدودية الموارد، تظهر اختلالات موازين القوى والاقتصاد في العالم.
وعلى الرغم من استقرار سوق الأرز فإن بعض التطورات تشير إلى إمكانية إعادة سيناريو 2008. ومن أبرز هذه التطورات قيام ماهيندا أماراوييرا, وزير الزراعة السريلانكي، في أواخر شهر ماي, بدعوة كل مزارع له أرض إلى أن يشرع في زراعة الأرز بحجة أن الأوضاع تسوء يوما بعد يوم ولا توجد أموال كافية لاقتناء الأرز من الخارج. وفي يوم 8 يونيو الماضي, ألقى الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو أمام تجمع المزارعين الإندونيسيين, في محافظة جاوة الوسطى, خطابا من أهم ما جاء فيه: “أيها الإخوة والأخوات، ازرعوا الأرز من فضلكم”.
بلغة الأرقام، ليس هناك عجز؛ ففي موسم الحصاد الحالي 2021-2022 من المتوقع أن يتم حصد 510 ملايين طن على مستوى العالم، وهي نفس كمية الاستهلاك العالمي للفترة نفسها. كما أن المخزونات العالمية من الأرز من المتوقع أن تصل إلى 190.5 ملايين طن, فلماذا القلق إذن؟
إن القلق الأساسي ينبع من انعدام الثقة والشكوك التي تحوم حول سلاسة حركة التجارة العالمية خلال الفترة الأخيرة، حيث أصبح بإمكان المصدر أن يقطع الإمدادات عن المستورد لأي سبب كان؛ وهو ما يفقد الثقة في حركات السوق العالمية، ويجعل كل دولة تحافظ على مواردها لنفسها, وهو ما ينعكس على غلاء الأسعار دوليا ومحليا.
وخير دليل على ذلك هو ما قامت به الهند بصفتها ثاني أكبر منتج للقمح, في شهر ماي الماضي, عندما حظرت صادراتها في وقت حرج كان معه العالم في أمس الحاجة إلى كل حبة قمح, خصوصا مع شبه خروج القمح الروسي والأوكراني من السوق الدولية بسبب الحرب الجارية.
في حال قررت الدول المنتجة والمصدرة للأرز عالميا أن تحظر صادراتها بفرض قيود عليها من أجل الاستغناء عن القمح كسياسة منها للتصدي لموجة غلاء الأسعار محليا, سيكون على باقي الدول عامة والدول العربية خاصة أن تخصص مساحات لزراعة الأرز حتى لا يتكرر سيناريو 2008.