تثير الارتفاعات المتتالية لأسعار المحروقات، خلال السنوات الأخيرة، تساؤلات حول مدى تأثير ذلك على إقبال المغاربة على شراء سيارات جديدة، في ظل تسجيل “جمعية مستوردي السيارات بالمغرب” أن مبيعات السيارات الجديدة برسم شهر يونيو 2022 عرفت انخفاضا بنسبة 15,78 في المائة مقارنة بالشهر نفسه من السنة الماضية، حسب آخر إحصائياتها الشهرية.
وأفادت المعطيات ذاتها بأن المبيعات الإجمالية للسيارات الجديدة بلغت حوالي 83 ألفا و831 عربة بانخفاض ملموس قارَب 11 في المائة، مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية التي شهدت مبيعات بـ94 ألفا و25 سيارة باحتساب الأشهر الستة الأولى من 2022.
كما رصدت الجمعية، التي تجمع أزيد من 20 عضوا مُصنعا ومستوردا وموزعا لـ34 “ماركة” للسيارات، تراجُع “مبيعات سيارات الخواص بحوالي 14,84 في المائة، بتحقيق بيع 15 ألفا و176 سيارة، مقارنة بـ17 ألفا و829 سيارة بيعت في شهر يونيو 2021؛ وهو انخفاض لم تسلم منه “مبيعات السيارات النفعية الخفيفة بحوالي 24 في المائة، حيث سجلت مبيعات بـ1647 عربة مقارنة بـ2156 في يونيو العام الماضي”.
وفي سياق “أزمة الوباء وقيود كوفيد-19″، انخفضت مبيعات السوق الجديدة بـ20 في المائة تقريبًا مع بيع 133 ألفا و308 وحدات فقط سنويا؛ وهو حجم مبيعات يشبه الرقم المحقق في عام 2015، العام نفسه الذي شهد بداية تحرير أسعار المحروقات بالمغرب، بعد رفع حكومة بنكيران للدعم الذي كان يوجّه من صندوق المقاصة.
ويمكن تفسير هذه المعطيات، حسب إفادة مصطفى لبراق، خبير اقتصادي متخصص في الطاقة، في ضوء أن قطاع بيع السيارات الجديدة بالمغرب يعيش على وقع “أزمة متواصلة نتيجة تباطؤ الإنتاج العالمي وارتفاع الأسعار بسبب الظرفية الاقتصادية العالمية، إضافة إلى انخفاض طلب المغاربة عموما على السيارات، بحكم تضرر القدرة الشرائية لفئات عريضة”، مُقلّلا من أثر ما اعتبره مجرد “تأثير ظرفي لارتفاع أسعار المحروقات”.
وتابع لبراق، في تصريح لجريدة هسبريس، أنه لا يمكن إغفال النقص المسجل في “صناعة الرقائق الإلكترونية” أو “أشباه الموصلات” (semi-conducteurs) نتيجة الأزمة الروسية-الأوكرانية، ما لعب دورا مسرّعا لأزمة قطاع السيارات عبر العالم منذ بداية “جائحة كورونا”؛ مساهما في تعقيد مهمة المصنعين حتى الآن في العودة إلى “مستوى ما قبل الجائحة”.
وفضّل الخبير الاقتصادي المتتبع لقضايا الطاقة بالمغرب “عدم ربط الانخفاض المستمر في مبيعات السيارات بالمغرب بارتفاع أسعار المحروقات” بشكل تلقائي، قائلا إنه “ربما مجرد سبب ضمن مجموعة من العوامل المتعددة المتشابكة”، التي يظل أبرزها حسب لبراق متمثلا أيضا في “ارتفاع تكاليف النقل البحري Fret”، والهاجس البيئي الضاغط في اتجاه القطع مع إنتاج سيارات حرارية ملوثة بحلول 2025 في أوروبا؛ وهو القرار الذي يعني صناعة السيارات المغربية بطريقة مباشرة.
ولفت المتحدث ذاته إلى أن احتمال تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا وضعف توفر الرقائق الإلكترونية نتج عنه نقص في المعروض من السيارات، وبالتالي ارتفاع أسعارها، يظل الأكثر مقبولية وواقعية في تفسير عدم إقبال المغاربة بشكل كبير على اقتناء سيارات جديدة؛ قبل أن يخلص إلى أنه انخفاض يطال كذلك سوق السيارات في أوروبا، بنسبة تجاوزت 20 في المائة في فرنسا مثلا.
تفسيرات المهنيين
جاءت تفسيرات المهنيين واضحة على لسان رئيس جمعية مستوردي السيارات بالمغرب (Aivam)، عادل بناني، الذي اعتبر أن “سوق السيارات بالمغرب في تراجع هذه السنة مقارنة مع التي مضت بحوالي 15 في المائة”، مسجلا أن “الربع الثاني من 2022 كان أسوأ من الربع الأول، وهذا راجع إلى عامليْن؛ الأول هو ندرة السيارات الجديدة في السوق، وهو عامل يؤثر بالثلث، بينما يفسّر الثلثان المتبقيان بتراجع الطلب الناتج عن وضع اقتصادي صعب يشهده العالم”، موردا مثال الأزمة الأوكرانية التي أدت إلى ارتفاع أسعار جميع مكونات صناعة السيارات بنسبة 10 في المائة خلال عام ونصف العام فقط.
ورصد بناني أن الارتفاع الحالي لأسعار المحروقات غير مشهود من قبل ويخفض بشكل مباشر مبيعات “السيارات النفعية” في المغرب بحوالي 25%، موضحا علاقة التأثر والتأثير بينهما بالقول إن “سعر البنزين هو مكون رئيسي ضمن تكاليف مصنعي السيارات النفعية، ما يعني دخول بعض الشركات في توتر مع زبائنها، يؤثر على الثمن النهائي للعربات بسبب غلاء تكاليف الإنتاج واضطرارها إلى تخفيض الاستثمارات“.
وأعرب الفاعل المهني في قطاع السيارات عن أمله أن تتراجع وتيرة ارتفاع الأسعار في الأسابيع المقبلة، قبل أن يستدرك: “ما يتضح هو الذهاب في منحى تنازلي لمبيعات السيارات إلى غاية نهاية 2022، ريثما تظهر مؤشرات إيجابية عالمية ترفع جرعات ثقة الأسر، مع وضوح الرؤية للفاعلين العموميين”، راجيا أن تحمل بدايات العام 2023 بشائر الانتعاش للقطاع.