صدر حديثا للكاتب محمد نورالدين أفاية كتاب جديد موسوم بعنوان “صُوَر الوجود؛ في السينما والفلسفة”، عن المركز الثقافي للكتاب ضمن 504 صفحات.
ويأتي هذا الإصدار الجديد بعد “الصورة والمعنى؛ السينما والتفكير بالفعل” الصادر سنة 2019، و”معرفة الصورة؛ في الفكر البصري، المُتخيَّل، والسينما” الصادر عام 2001، ويشكل جزءا مُكَملا للكتابين السابقين، وخصوصا لكتاب “معرفة الصورة”.
يشير أفاية، منذ المقدمة، إلى أن هذا الكتاب يدخل “في إطار الفكر الفلسفيِّ، ويَعْرض تصوُّرات ومواقف فلاسفة معاصرين مُكَرَّسين من الظَّاهرة السِّينمائيَّة؛ وهو لا يقتصر على إعادة صياغة ما يُتداوَل حول «العلاقة بين الفلسفة والسِّينما»، أو «فلسفة السِّينما»، أو الحديث عن «سينما فلسفيَّة»؛ وهي موضوعات تتوفَّر فيها دراسات كثيرة”.
ويتناول هذا الكتاب “إشكاليَّة الكتابة الفلسفيَّة عن السِّينما والكيفيَّات الَّتي نهَجَها فلاسفةٌ مُحدَّدون لإدماج السِّينما في أنساقهم الفكريَّة والجماليَّة، باعتبارها حقلاً إبداعيَّاً يكثِّف قضايا الصُّورة، والمتخيَّل، والجسد، والحدث، والمكان، والزَّمن، والحركة، والحُبِّ، والموت، والحقيقة، والسِّياسة، وغيرها من الأسئلة المتجدِّدة الَّتي تشغل الفكر الفلسفيَّ”.
وينطلق محمد نورالدين أفاية من اعتبار أن “السينما شكلت حدثًا عظيمًا في الثقافة المعاصرة؛ ساهمت، ومازالت تساهم في التأثير على إدراكات الناس، ووجدانهم، ووعيهم، وفي تغيير علاقتهم بالعالم؛ فهي تمتلك قدرات كبيرة على تأطير الأجساد، ونسج الحكايات، وكشف الوقائع، وصناعة الصور، وتشخيص الوضعيات الإنسانية بطرق غير مسبوقة في تاريخ الممارسات الفنية”.
ويرى الكاتب أن “هذا الفن صعب وإشكالي”، وأن “إنجاز فيلم هو انتصار على العوائق الذهنية والسياسية والمجتمعية؛ وهي عوائق قاسية في بعض الحالات، وانتصار على المشاكل المادية والثقافية والنفسية التي تسعف أو لا تسعف الفاعل السينمائي في بناء أفكاره، وبناء سروده ورسائله”.
فالسينما، يضيف أفاية، “تفكير بالفعل منذ الفكرة الأولى التي تراود صاحبها، إلى عملية بناء السيناريو، وهو أمر ليس سهلا على الإطلاق، مرورا بكل المراحل المادية والإدارية والتواصلية لبلوغ لحظتي التصوير والإخراج، التي تعبر عن قدرات الفاعل السينمائي على الترجمة البصرية للرواية الفيلمية، إلى المرحلة الحاسمة المتمثلة في تركيب ما تم تسجيله من صور ولقطات ومتواليات ومشاهد”.
كما يعتبر أفاية أن “هذا الكتاب إذا كان يدخل ضمن الفكر الفلسفي والجمالي فلأنه يعالج قضايا فلسفية من زاويتين؛ أولا استحضار المفاهيم الرئيسية التي أنتجها الفلاسفة موضوع الدراسة، حيث تناول ما كتبه عن السينما إدغار موران، ستانلي كافيل، جيل دولوز، آلان باديو، وجاك رانسيير، وما اقترحوه على المناقشة الفلسفية العالمية؛ وثانيا تأطير تصورهم للسينما في النسق الفلسفي والجمالي العام لكل واحد منهم، خصوصا أن منهم من يجهر باعترافه بأن مشاكل الفلسفة دفعته إلى البحث عن أجوبة داخل السينما، من منطلق اعتبار الإبداع، ومنه العملية السينمائية، خاصية الفكر عندما يرتفع عن واقعه الوجودي”.
وبالإضافة إلى كتابات الفلاسفة المذكورين عن السينما، لم يغفل الكاتب عن الانتباه إلى أن “سينمائيين تمكنوا، عبر تاريخ السينما الغني، من صياغة لقطات، ومتواليات، وحكايات في منتهى العمق، حيث «أظهروا» ما يمثل جوهر الأشياء وتموجات الوضعيات الإنسانية، واستطاعوا مساءلة الكائن في سكينته وتوتره، في وحدته وانفصامه، في قلقه وفرحه، في حُبِّه وانفصاله؛ وما إلى ذلك من الأسئلة والموضوعات التي نجح عبرها سينمائيون، من خلال أفلامهم، في إنتاج آثار واسعة على الوعي، والوجدان، وأحدثوا أصداء عميقة في الثقافة الإنسانية المعاصرة”.