بعد نقاشات ومشاورات موسعة بصمت مسار إعداده، يخرج إلى حيز الوجود “ميثاق الاستثمار الجديد” بعد مصادقة المجلس الوزاري، المنعقد الأربعاء الماضي (13 يوليوز) برئاسة الملك محمد السادس، على “مشروع قانون-إطار بمثابة ميثاق الاستثمار”، يتوخى توجيه الاستثمار نحو القطاعات الإنتاجية ذات القيمة المضافة العالية.
وينتظر أن يعرض المشروع الجديد على غرفتيْ البرلمان قصد مباشرة مسطرة المصادقة التشريعية عليه خلال الأسابيع المقبلة، لتمكين المملكة من “ميثاق تنافسي للاستثمار” يعزز جاذبية رؤوس الأموال المستثمِرة وطنيا ودوليا، في حين يهدف الميثاق إلى الرفع من آثار عملية الاستثمار، لاسيما فيما يتعلق بإتاحة فرص الشغل القار وتقليص الفوارق بين الأقاليم والعمالات في جلب الاستثمارات.
ويظل “رفع حصة الاستثمار الخاص لتبلغ ثُلثيْ الاستثمار الإجمالي في أفق 2035، عبر توجيه الاستثمار نحو القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، فضلا عن تحقيق التنمية المستدامة، إضافة إلى تعزيز جاذبية المملكة وجعلها قطبا قاريا ودوليا في مجال الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وكذا تحسين مناخ الأعمال وتسهيل عملية الاستثمار، والرفع من مساهمة الاستثمار الخاص الوطني والأجنبي”، من أبرز أهداف الميثاق الجديد الذي قدم عرضا حوله محسن جازولي، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالاستثمار والتقائية وتقييم السياسات العمومية، خلال المجلس الوزاري الأخير.
وسبق للملك محمد السادس أن أكد خلال جلسة عمل خُصصت لميثاق الاستثمار الجديد، في فبراير الماضي، على الدور الريادي الذي يجب أن يضطلع به القطاع الخاص الوطني في هذا الورش، داعيا الحكومة في هذا الصدد إلى “إشراك الفاعلين الخواص بشكل فعال، وضمنهم الاتحاد العام لمقاولات المغرب والمجموعة المهنية لبنوك المغرب، في مسار تنزيل الميثاق”، مشددا على أن تجديد المقتضيات القانونية والتحفيزية “يظل رهينا بحسن تنفيذها والتتبع المنتظم لتنزيلها على أرض الواقع، بهدف ضخ دينامية جديدة في الاستثمار الخاص وتكريس المملكة كأرض متميزة للاستثمار الإقليمي والدولي”.
وقصد بلوغ أهدافه، يضع الميثاق الجديد “آلية دعم أساسية للمشاريع الاستراتيجية، وثلاث آليات خاصة لدعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، وللمقاولات المغربية الراغبة في تطوير قدراتها على المستوى الدولي”، مع التنصيص على اتخاذ إجراءات للدعم خاصة بالمشاريع ذات الطابع الاستراتيجي، من قبيل صناعات الدفاع، أو الصناعة الصيدلانية في إطار اللجنة الوطنية للاستثمارات، إلى جانب تدابير خاصة للدعم موجهة إلى المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، وتدابير أخرى تنهض بالاستثمارات المغربية في الخارج.
المبادرة الخاصة
ضمن تعليقه على أبرز مضامين الميثاق وما حمله من مستجدات، اعتبر محمد جدري، أستاذ باحث في الاقتصاد، أن “الميثاق في نسخته التي ستعرض على البرلمان يبقى جد طموح من حيث المؤشرات والأرقام المستهدف بلوغها وآليات التنزيل، بشرط أن يتم توجيه الاستثمارات إلى قطاعات واعدة أثبتت قدرتها على رفع نسبة النمو، وبالتالي خلق فرص الشغل”، خاصا بالذكر قطاعات صناعية ذات قيمة مضافة كبيرة كالسيارات والطائرات، ومهن الرقمنة، والدفاع، والنسيج، والصيدلة.
وأضاف جدري، في تصريح لهسبريس، أن “الميثاق يأتي في مرحلة مفصلية يمر منها الاقتصاد الوطني في ظل بداية العمل على بلوغ أهداف النموذج التنموي”، لافتا إلى أن “الاستثمار العمومي أثبت محدوديته على الرغم من بلوغه رقما قياسيا (245 مليار درهم في 2022) إلا أن انعكاسه على نمو الناتج الداخلي الخام بالكاد يتجاوز 1 في المائة”، وهو ما يفرض، في تقدير الباحث، “مساهمة أكبر للقطاع الخاص وتحفيز رؤوس أمواله على تنويع وتوزيع استثماراتها مجاليا على جهات المملكة وأقاليمها”.
وشدد المتحدث ذاته على أن ما يلزم لبلوغ طموح 2035 كما هو مخطط له، هو “تحرير المبادرة الخاصة عبر دعم مقاولات صغرى وصغيرة جدا ومتوسطة، والاستفادة مما أتاحته ظرفية الأزمة الوبائية من فرص اقتصادية لريادة الأعمال في قطاعات واعدة”، قبل أن يخلص إلى أن بلوغ مساهمة الثلثين في الاستثمار من طرف القطاع الخاص، “سيمنح نقاط نمو إضافية للمغرب”، علما أن “كل نقطة نمو تخلق ما بين 20 و30 ألف منصب شغل سنويا، وهو ما يشكل حلا لامتصاص معدلات البطالة”.
اقتصاد الريع
أثار عمر الكتاني، خبير اقتصادي مغربي، مسألة “طرُق منح رخص الاستثمار عبر ممارسات المحاباة والامتيازات”، واصفا الأمر، في حديث مع هسبريس، بأنه “ريع وفساد يهدد أي مشروع طموح لإصلاح قطاع الاستثمار، كما أنه يُفقد المملكة نقطتيْن سنويا من نموها الاقتصادي”، مشددا على ضرورة “تفعيل الرقابة وإعمال الشفافية في هذه المساطر من أجل ألّا نضيّع فرص النمو المتاحة”.
وانتقد أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط ما اعتبره “خضوع قطاعات اقتصادية بعينها للاحتكار في المغرب”، متسائلا عن “فائدة الاستثمار الخاص إذا لم يخلق فرص ومناصب عمل، بل على العكس يساهم في تكديس رؤوس الأموال وتكريس الاحتكار”.
وأوصى الكتاني بـ”أخذ الدروس والعبَر من الأزمة الحالية، وكذا الاستفادة والانفتاح على تجارب دول آسيوية يصل فيها النمو الاقتصادي إلى نسبة 6 في المائة فما فوق، ما يعني إقلاعا اقتصاديا حقيقيا يوزع ثماره بشكل عادل على المواطنين”.