“مناضل مبدئي”، “معتقل سياسي لم يبدل تبديلا”، “أحد رجالات الصف الديمقراطي والتقدمي المغربي”، شهادات عديدة رافقت رحيل الفاعل السياسي والحقوقي إسماعين، أو إسماعيل، عبد المومني.
وكان الراحل أحد أعلام الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ومن ضحايا “سنوات الرصاص”، وعرف بقربه من العلم الاتحادي المغتال عمر بن جلون، قبل أن يغادر سفينة “الاتحاد الاشتراكي” محتجا، ليكون من بين مؤسسي أبرز الجمعيات الحقوقية المغربية، الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ثم المنظمة المغربية لحقوق الإنسان.
ونعى حزب المؤتمر الوطني الاتحادي إسماعين عبد المومني قائلا إنه “عرف خلال سنوات الجمر كل أشكال التضييق والطرد من العمل والاعتقال، وظل طيلة حياته المعطاء مناضلا في مختلف الواجهات ضد الاستبداد، وملتزما من أجل كافة القضايا العادلة للشعب المغربي، وفي مقدمتها الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ومواجها صلبا في محطات عدة لكل أشكال الانحراف والانتهازية”.
وفي شهر يونيو الماضي، كان إسماعيل عبد المومني من بين الشخصيات الحقوقية التي كرمتها المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، خلال مؤتمرها الوطني الحادي عشر.
نضال بعيدا عن دائرة الضوء
محمد السكتاوي، ناشط حقوقي، نعى إسماعيل عبد المومني قائلا إنه “مناضل الأخلاق العالية، ظل ماسكا بجمر القيم والمبادئ، غرس أكثر من وردة في بستان الوطن، وزخرف حلكةً بضوء الأمل، ومشى الليل برداء الشعب وتحت قدميه شرر النار، ولم يبدل تبديلا”.
وذكر السكتاوي، في تصريح لـ هسبريس، أن الراحل “عانى الكثير، لكن لم يهزه القمع والترهيب، وبعد أن تم إطلاق سراحه في مرحلة لاحقة استمر في نضاله الديمقراطي”.
وذكر المتحدث ذاته أن عبد المومني “اشتغل بداية مديرا لدار النشر المغربية، وهي دار تعود ملكيتها للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهي التي كانت تطبع جريدة المحرر وجريدة الاتحاد الاشتراكي، وكانت تجربته فريدة في إدارة هذه المؤسسات، وتميزت ليس فقط بحسن الإدارة والتدبير، بل بحرصه على مال المؤسسة، وكانت له صدامات في هذا الشأن مع شخصيات نافذة في الحزب، ولم يقبل أبدا أن تكون هذه الدار مصدرا لنوع من الريع لفائدة بعض أفراد الحزب”، وتابع: “ثم استقال من هذه الدار حفاظا على نزاهته وعدم قبوله لأي مساومات في ما يتعلق بخياراته ونضاله وقيمه التي تربى ونشأ عليها؛ وهو شخصية محبوبة، مناضل جسور يعبر عن رأيه مهما كان موجعا، وكان متمسكا تمسكا قويا بالقيم والمبادئ والوفاء لتاريخ الحركة النضالية التي انتمى إليها، ولم يتزعزع أبدا عن ذلك المسار النضالي”.
وواصل المصرح: “لقد كان الراحل أحد المبادرين في الصفوف الأمامية لتأسيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ثم بعدها المنظمة المغربية لحقوق الإنسان (…) وإن خف عمله السياسي فإنه رفع منسوب نضاله في الحركة الحقوقية، وأعطى إلى جانب مناضلين من عياره، مثل محمد الحيحي بشكل خاص، نموذجا للمناضل الحقوقي الذي لا يخلط السياسة بالحق، بل كان ينتصر دائما للإنسان، ويناضل من أجل أن يكون الشعب المغربي، وخاصة الشعب الذي يعاني الكدح والفقر، في حياة تليق بشعب أعطى الكثير من التضحيات في تاريخه”.
وختم السكتاوي تصريحه قائلا إن إسماعيل عبد المومني “اشتغل بعيدا عن الأضواء، وكان في المقابل يعطي ضوءه لكل محيطه بالإخلاص والقدوة، وكان نموذجا لمربي الأجيال على الاستقامة والنزاهة والموضوعية”.
راديكالي التصور
المعطي منجب، مؤرخ وأستاذ جامعي، قال إن العلَم الراحل “كان موظفا في وزارة العدل، ودخل منذ شبابه إلى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، إلى أن صار في لجنته الإدارية، وكان قريبا جدا من القيادة الراديكالية للحزب المرتبطة بعمر بنجلون، الذي كان قياديا نقابيا في البريد ثم صار محاميا، لانتمائهما إلى المنطقة نفسها، وكانا صديقين قريبين جدا، ورفيقين”.
وفي سنوات العمل السياسي الراديكالي، ذكر منجب أن “إسماعين اعتقل وعذب في درب مولاي الشريف، وكان من بين المعتقلين معه الوديع الآسفي”.
كما استحضر المؤرخ ذاته وقوف السياسي الراحل ضد “توجه قيادة الاتحاد للتقرب من النظام، بعدما كان التوجه هو الإطاحة بالنظام وتغييره بالنظام الديمقراطي، وضد عدم الانسحاب بعد تزوير الانتخابات؛ فجمد حركيته داخل اليسار المغربي”.
”مناضل أصيل”
عبد الرحيم التوراني، كاتب وصحافي، وصف الراحل بكونه “مناضلا حقيقيا وأصيلا”، وتحدث عن “تعرضه للاعتقال” بسبب عمله السياسي ومواقفه، وطرده من عمله في “وزارة العدل” بعد إضراب الوظيفة العمومية سنة 1961، كما توقف عند “قربه من الشهيد عمر بنجلون لانتمائهما إلى المنطقة الشرقية، ولانتمائهما الأكبر إلى المبادئ”.
وأضاف التوراني: “لما تم تكليفه من طرف قيادة الاتحاد بمهمة إدارة مطبعة دار النشر المغربية، التي كان يملكها الحزب، حاول المومني انتشال هذه المؤسسة العريقة من الاختلالات والأزمات التي كانت تهددها بالإفلاس، خصوصا وقد توصل إلى الوقوف على مكمن الخلل والداء، واكتشف أنه تحول من حسابات المطبعة مبالغ بالملايين لفائدة قيادي كبير في الحزب، دون أن تكون له صلة عملية بالمؤسسة”.
“هنا، ما كان من سي إسماعيل إلا أن أوقف ‘الصنبور’ عن المستفيد ظلما على حساب العمال المأجورين، وأغلبهم مناضلون اتحاديون ومعتقلون سياسيون سابقون، كان يُطلب منهم المزيد من التضحية والصبر، بل كانوا لا يتوصلون أحيانا بكامل أجورهم”، يزيد المتحدث ذاته.
كما استحضر التوراني “محاولة عبدالمومني الحفاظ على كرامة العمّال في المطبعة، بتسوية أوضاعهم”، وتابع: “كان إسماعيل عبد المومني ممن رأوا اختلالات حزب الاتحاد منذ وقت مبكر وغادر، قبل المغادرين مثل أصحاب حزب الطليعة، وقبل أن يصير مآل الحزب على ما هو عليه اليوم”.
وفسر التوراني انسحاب إسماعيل عبد المومني من السياسة الحزبية وتخصيصه سنواته الأخيرة للدفاع عن حقوق الإنسان بقوله: “كان مناضلا راديكاليا، ليس مثل مناضلي الحسابات السياسية، وكان رجلا نزيها متشبثا بأفكاره”.