منذ نهاية يوليوز المنصرم، وضع الاتحاد الأوروبي خططا طارئة للدول الأعضاء لخفض استخدام الغاز بنسبة 15 في المائة حتى مارس المقبل (2023)، محذرا من عواقب “عدم تحقيقها خفضا كبيرا في الاستهلاك؛ لأنها قد تكافح للحصول على الوقود خلال الشتاء إذا قطعت روسيا الإمدادات”، بحسب ما ذكرته وكالة “رويترز”.
وعملياً، بدأت دول مثل ألمانيا وإسبانيا تنفيذ وتفعيل هذا “الإجراء الطوعي” بخفض وترشيد استهلاكها الطاقي (لاسيما من الكهرباء)، كما اقترحته مفوضية الاتحاد الأوروبي، إذ بدأت فعليا الفترة المعنية في فاتح غشت الحالي وتستمر حتى 31 مارس 2023. كما سيتم قياس الانخفاض بالمقارنة مع متوسط استهلاك هذه الدول خلال هذه الفترة طيلة السنوات الخمس السابقة.
وفي وقت يعرض بيان مجلس الاتحاد الأوروبي الإجراء على أنه “طوعي”، سيتعيّن على البلدان إبلاغ اللجنة بالتقدم المحرز في تدابير التخفيض. كما شدد التكتل الأوروبي على “اعتماد هذا الإجراء لمدة عام واحد فقط وستتم دراسة تمديده المحتمل في ماي المقبل”.
ويأتي هذا بينما توالت دعوات من دول أوروبية عديدة إلى التضامن بين أعضاء الاتحاد البالغ عددهم 27، لمواجهة أزمة الغاز وتداعياتها؛ آخرها مناداة المستشار الألماني أولاف شولتز، أمس الخميس، إلى “مد خط أنابيب بين البرتغال وأوروبا الوسطى يمر عبر فرنسا”، معتبراً أن القارة تفتقر إليه “بشكل كبير”، في سياق أزمة الطاقة الناتجة عن الحرب الدائرة رحاها في أوكرانيا منذ مطلع هذه السنة، ومضيفا أنه “كان ليساهم اليوم بشكل كبير في التخفيف” من حدة الوضع الذي تُعانيه الإمدادات في “القارة العجوز”.
وفي ظل أزمة الطاقة التي دفعت دولا عديدة عبر العالم إلى مراجعة سياساتها الطاقية، والتراجع عن استغلال الغاز الروسي في توليد احتياجاتها، يبدو أن المغرب ليس بمنأى عن تأثيرات هذا السياق العالمي المأزوم، إلا أن المملكة استبقت ذلك، خلال العقد الأخير، بأوراش كبرى وهيكلية متعددة؛ يظل أبرزها البحث عن إنتاج الطاقة من مصادر متجددة، وإطلاق دراسات وأشغال التنقيب عن الغاز في مناطق متعددة في البَـرّ كما السواحل.
“المزيج الطاقي” في أفق 2030
مصطفى لبراق، خبير مغربي في اقتصاد الطاقة، قال إن الهدف الذي وضعه المغرب لبلوغ 52 في المائة من قدرته الإنتاجية من الطاقات المتجددة “شهد بعض التأخير عام 2020 بفعل تأثيرات الجائحة”؛ إلا أنه أبدى تفاؤله ببلوغ “المزيج الطاقي” بحلول 2030، في ظل الأزمة الطاقية العالمية الحالية التي “لعبت دور مُسرّع وجددت إصرار المسؤولين في المغرب على تحقيق ما كانت الإستراتيجية الطاقية الوطنية قد وضعته كهدف”، مؤكدا “وجوب ضمان المملكة استقرار واستقلالية طاقية على الأمديْن المتوسط والبعيد”.
وأضاف لبراق، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “المغرب ليس معنيا بالخطة الأوروبية أو آثارها، ولن يكون في مِثل مستوى احتياجات أوروبا الطاقية، لسبب بسيط هو اختلاف ظروف المناخ”، شارحا في هذا الصدد: “أوروبا وصلت إلى محك ضمان مصادر تزويدها الطاقي، لذلك تحتاج أكثر إلى التدفئة في فصل الشتاء مع انخفاض درجات الحرارة وموجات برد قوية، وهو ما دفعها إلى اتخاذ إجراءات تحد من الطلب على الغاز في ظل عقوباتها ضد روسيا”، لافتا إلى أن الاتحاد الأوروبي يحاول جاهدا “العودة لضمان النجاعة الطاقية لمستويات ما قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، وتفادي محنة الشتاء القادم”.
وتابع الخبير الطاقي ذاته بأن “الطلب على الكهرباء لن يتراجع بالمغرب”، مفسرا ذلك بكونه “وتيرة عالمية تتجه نحو الارتفاع والطلب المتزايد على الطاقة، لاسيما بعد اعتماد تدريجي على السيارات الكهربائية في دول عديدة”، مشيرا في معرض حديثه مع هسبريس إلى أن “المغرب يشتغل من خلال برامج ومؤسسات عديدة على تحقيق النجاعة الطاقية، لاسيما في القطاع العام”.
استهلاك الكهرباء بالمغرب
دعا أستاذ تخصص الطاقة في جامعة القاضي عياض بمراكش، أمين بنونة، بصريح العبارة، إلى “مراجعة الحسابات الوطنية في المجال الطاقي، لاسيما من حيث ضرورة التمييز بين الإنتاج والقدرة الإنتاجية”، موضحا ضمن تصريحه لهسبريس أن “هدف بلوغ نسبة 52 في المائة من الطاقات المتجددة يُقصد به القدرة الإنتاجية وليس الإنتاج، كما جرت العادة في التداول والحديث عن الموضوع”.
وزاد بنونة، الذي راكم تجربة وخبرة في المجال، أن “المغرب بلد استهلاكي للطاقة، بمعدل يصل 1100 كيلو واط ساعة سنويا لكل مغربي من الكهرباء الصافية (nette)”، لافتا إلى أرقام اعتبرها دالّة في هذا الصدد: “صافي الطاقة الكهربائية المنتجة عبر الشبكة عرف تقلصا في وتيرة ارتفاع الاستهلاك ويتراوح حاليا بين 1 و2 في المائة، مقابل 5 و6 في المائة قبل عشرين عاما”.
وسجّل الخبير الطاقي، في معرض حديثه للجريدة، تعادُل وتَساوي الاستهلاك (البالغ 40 ألف جيكَاواط ساعة) تقريبا مع الإنتاج عام 2021. لكن ذلك يعزى، حسب بنونة، إلى “العام الذي قبله، 2020، الذي يظل استثنائياً بحكم فترات الإغلاق الصحي”.
كما ثمّن بنونة ما بلغته مجهودات الدولة في تعميم “الكهربة القروية”، ومعدلاتها التي لامست 100 في المائة، حسب أحدث المعطيات المتوفرة، قبل أن ينبه إلى أن “نسبة الاشتراك في شبكة الكهرباء بالقرى والمناطق النائية وشبه الحضرية تبقى في حدود 85 في المائة، ما يعني أن 15 في المائة من الأسَر المغربية يصلها الربط الكهربائي لكنها لا تستفيد منه لعوامل أغلبها اجتماعية ومادية بالأساس”.
المتحدث ذاته شدد في ختام تصريحه على “ضرورة التدقيق في المصطلحات والمفاهيم المتداولة في المجال الطاقي”، مؤكدا أن المغرب يظل إجمالا “سائرا في منحى تصاعدي لاستهلاك الكهرباء”، إلا أنه لم يصل بعد إلى مستوى دول مثل فرنسا أو إسبانيا أو الولايات المتحدة.