يعد إقليم اشتوكة آيت باها منطقة فلاحية بامتياز، إنتاجا وتصديرا، كما يتميز بشواطئه الممتدة التي تكون مجالا لممارسة عدد من ساكنة المناطق الساحلية أنشطة الصيد البحري، دون إغفال التنوع التضاريسي والمؤهلات السياحية المتنوعة والموزعة بين السهل والجبل؛ كل ذلك وغيره خلق دينامية اقتصادية واجتماعية تدل عليها مختلف المؤشرات الإحصائية، وأبرزها المؤشرات المرتبطة بقطاع التعليم، الذي يشهد تعزيزا للعرض المدرسي، خاصة في مستويات الابتدائي والثانوي بسلكيه الإعدادي والتأهيلي.
وفي هذا السياق، فرضت التحولات الديمغرافية التي يشهدها إقليم اشتوكة آيت باها، الناجمة عن حجم التدفقات البشرية القادمة من مختلف جهات المغرب كعمالة في المجال الفلاحي، ضغطا كبيرا على المؤسسات التعليمية إقليميا، وهو ما واجهته السلطات الإقليمية والمنتخبة والتربوية بأوراش كبرى لدعم البنيات التحتية المدرسية وتعزيز أسطول النقل المدرسي والدعم الاجتماعي؛ غير أن غياب نواة جامعية بالإقليم مازال أحد أهم المطالب الاجتماعية بهذا الإقليم.
وفيما ظل إحداث نواة جامعية لتعزيز العرض التعليمي بإقليم اشتوكة آيت باها أملا يتجدد في كل نهاية وبداية موسم مدرسي وجامعي، لأجل تذليل الصعوبات والإكراهات التي تواجه طلبة الإقليم في الوصول إلى التعليم العالي بالمدن المغربية بعيدا عن اشتوكة آيت باها، فإن النقاش الدائر اليوم في الإقليم هو مكانته على مستوى الاقتصاد الوطني من غير أن يواكبها توطين مؤسسة جامعية ومعاهد ومدارس للتعليم العالي والتقني في مجالات الفلاحة والصيد والبحري والسياحة.
أحمد المودن، فاعل جمعوي باشتوكة آيت باها، قال ضمن تصريح لهسبريس إن “مبدأ تحقيق العدالة المجالية يفرض بالدرجة الأولى الإسراع في إحداث نواة جامعية بالإقليم، وإزالة الإقصاء المفروض في هذا المجال، فكل المعطيات التعليمية والمؤشرات الإحصائية تجعل من تباطؤ الاستجابة لهذا المطلب تأكيدا لمنطق الإقصاء الممنهج وتعميقا لمعاناة الأسر وأبنائها في الوصول إلى التعليم الجامعي، خاصة مع ظروف الهشاشة والعوز التي تنخرها، وفي ظل الظروف المعيشية الصعبة في الآونة الأخيرة والمعاناة مع السكن الجامعي والتنقل وغيره”.
وتابع الفاعل الجمعوي بأن “الساكنة ومختلف الفاعلين يتوقون إلى توطين مؤسسة جامعية على شكل نواة مع مدارس ومعاهد للتكوين في المجالات الاقتصادية البارزة في إقليم اشتوكة آيت باها، كالفلاحة والصيد البحري والسياحة؛ فمن غير المعقول والمقبول أن يصنف الإقليم كرئة للمغرب من الناحية الغذائية، ويسع في الآن ذاته ويدبر باستماتة مختلف المظاهر الديمغرافية والعمرانية والتنموية والاجتماعية التي تفرزها ظاهرة استقطاب اليد العاملة من مختلف مناطق المغرب، خاصة في المجال الفلاحي، دون يكافأ أبناؤه بفرص للتكوين المتخصص داخل إقليمهم”.
وفي إطار الترافع من أجل هذا المطلب، فقد سبق للمنتخبين وأفراد السلطة الإقليمية أن أثاروا الموضوع لدى وزير التربية الوطنية السابق خلال لقاء بعمالة اشتوكة آيت باها، كما وجه بخصوصه المستشار البرلماني الحسين مخلص، عن حزب الأصالة والمعاصرة، سؤالا كتابيا إلى عبد اللطيف ميراوي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عن الإجراءات التي تنوي الوزارة اتخاذها لإحداث نواة جامعية بإقليم اشتوكة أيت باها.
وفي هذا الصدد أشار المستشار البرلماني إلى أن طلبة إقليم اشتوكة آيت باها ، الذي يضم 22 جماعة، يعانون من غياب نواة جامعية بالإقليم، “ما يشكل عبئا كبيرا عليهم، خاصة أنهم يضطرون إلى الانتقال إلى مدينة أكادير لإتمام دراستهم الجامعية من خلال قطع مسافات طويلة تصل إلى 120 كلم ببعض المناطق، وهو ما يساهم في الانقطاع عن الدراسة، خاصة بالنسبة للفتيات، في ظل غياب الإمكانيات بالنسبة للأسر وبروز مشاكل السكن والمنح الجامعية”.
وفي جانب إحداث نواة جامعية بتخصصات تلائم خصوصيات الإقليم، قال الحسين أزوكاغ، النائب البرلماني عن دائرة اشتوكة آيت باها: “نطالب أولا بإحداث ثانوية تقنية لوجود مبررات كثيرة للأمر، أبرزها التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي يشهدها الإقليم، ومنها وجود محطة تحلية مياه البحر، كأضخم محطة بشمال إفريقيا، والنشاط الاقتصادي المرتبط أساسا بالقطاع الفلاحي، مع إحداث نواة جامعية بتخصصات علمية دقيقة تستجيب لهذه المعطيات. كما أن كل الخبرات المحلية والإمكانيات المتاحة ستشكل أرضية لتطوير البحث العلمي، وتثمين التخصصات غير الموجودة بالجامعات، ولِما لا تكون اشتوكة آيت باها سباقة في هذا المجال على المستوى الوطني؛ ومن شأن كل ذلك أن يوسع وينوع العرض المدرسي بالإقليم”.
مواكبة التطورات الاقتصادية والاجتماعية الحاصلة في إقليم اشتوكة آيت باها إذن، وأيضا مواكبة الإستراتيجية الإقليمية في قطاع التعليم، التي مكنت من الرفع من عدد المتمدرسين بمختلف المؤسسات التعليمية، والزيادة في أعداد الحاصلين على شهادة البكالوريا، إلى جانب بعد المؤسسات الجامعية، والصعوبات التي يواجهها الطلبة في الولوج إلى مؤسسات التعليم العالي، في ظل غياب النقل الجامعي ومحدودية الطاقة الاستيعابية للأحياء والإقامات الجامعية، كل ذلك يفرض توطين نواة جامعية ومؤسسات لتكوين المهندسين الزراعيين وأطباء بياطرة وأطر في المجال التقني؛ وبذلك سيتم إنصاف هذا لإقليم وأبنائه ويتحقق التنزيل الفعلي للعدالة المجالية.