أريفينو : 30 غشت 2023.
أعادت حالات “الجرائم البيدوفيلية” المتواترة إحياء مطالب شعبية تم تصريفها افتراضيا بخصوص ضرورة “حجب المواقع الإباحية من شبكات الإنترنيت المحلية”، لكونها، بحسبهم، “تساهم في تشكيل تصورات مغلوطة واستيهامات حيوانية عن العلاقة الجنسية، ما يؤدي إلى تشوهات في الخريطة الجنسانية بشكل سيؤثر على النمو الجنسي”.
وككل مرة، تبدو معاندات نقيضة تصرف “موقفا رافضا للمنع”، بدعوى أن “ثقافة الحجب تمثل نوعا من الوصاية على المغاربة، التي لن تحل المشكلة على المستوى الاستراتيجي”. ورغم إقرار هذه الفئات على نحو صريح بأن “المواقع البورنوغرافية خطر حقيقي بالنسبة للمغاربة”، إلا أنها تتمسك بموقفها الذي “يرفض العودة إلى أساليب الديكتاتورية القديمة”.
“جنس حيواني”
أبو بكر حركات، اختصاصي في العلاج النفسي والجنسي، أقر ابتداء بأن “المواقع الإباحية تشكل خطراً حقيقيا على الطفل، وحتى على الراشدين، لأنها تقدم العلاقة الجنسية في منحاها البهيمي الذي يخلو من التواصل والعواطف والرحمة والمودة، وهذا كان حاضرا حتى في الحياة الزوجية”، مضيفا أن “هذه الصورة تؤدي إلى تشوهات إدراكية في ما يتصل بالعلاقة الجنسية وتنمي نوعا من المكبوتات”.
لكن حركات، أكد أن “هذه الصورة السلبية بإطلاق فيما يخص مواقع (البورنو)، لا يمكن أن تصبح ذريعة لمنعها، لكون كل ما نمنعه نخلق لدى المواطنين فضولا ورغبة في اكتشافه”، مشددا على أن “الاشتغال ينبغي أن يكون على التربية الجنسية وعلى التحسيس والتوعية، لتصحيح الكثير من الصور لدى الأطفال وحتى لدى الراشدين”.
وأضاف المختص في العلاج النفسي والجنسي أنه “لا يمكن تحميل هذه المواقع كل المسؤولية في انتشار البيدوفيليا في مجتمعنا، نظرا لتوفر أسباب حركية كثيرة تشتغل إلى جانب هذه المواقع”، موضحا أن “لها دورا في المعضلة، لكن بما أننا في عصر الرقمية فالحجب لم يعد خيارا صائبا”، وقال: “للراشدين الحق، لكن بعد أن يكون هناك تأهيل جنسي عبر الإعلام والنظام التعليمي”.
وأوضح المتحدث أن “أشكل الرقابة ولت بلا رجعة، ونحن في مجتمعات حديثة يجب أن تتحمل مسؤوليتها”، مسجلا أن “الرقابة المسموحة في هذا الجانب هي الرقابة الأبوية، مع تطعيمها بالشروح والتوضيحات لتبيان مدى ضرر تلك المواقع وكيف أنها تخلق صورا محدودة وفجة عن الجنس ولا تتطور”، وزاد أن “الأثر السلبي لانعدام التربية الجنسية في البرامج التربوية مازال واضحا ومتمثلا في العديد من السلوكيات والآفات”.
المنع بعد حوار
من جهته، قال المهدي ليمينية، فاعل مدني في قضايا الشباب، إن “نقاش حجب المواقع الإباحية كرد فعل على آثارها السلبية سلوكيا فيما يخص الصحة الجنسية، يبقى نقاشا مجتمعيا صحيا ينبغي تثمينه واحتواؤه معرفيا من أجل تأهيله مجتمعيا وثقافيا”، مبرزا أن “الأمر يحتاج إلى خلاصات علمية حقيقية حول دور هذه المواقع في مشاكل الاغتصاب والبيدوفيليا بالمغرب”.
وأضاف ليمينية، أن “المنع ليس ناجحا مائة بالمائة لكون التطورات الرقمية كشفت العديد من الثغرات التي كانت تشتغل ضمن أشكال الوصاية القديمة”، موضحا أن “هناك اليوم تقنيات متطورة تتيح تغيير النطاق الجغرافي من أجل الولوج إلى مواقع محجوبة، أو حتى إلى خدمات رقمية غير متاحة في بيئة جغرافية معينة لم تخضع بعد لتأهيل رقمي”.
وأفاد الفاعل المدني بأن “النقاش يجب أن يُفتح بجدية إزاء تنامي حالات الاعتداءات المتتالية على الأطفال”، مؤكدا أن “معالجة اختلالات بنيوية يستدعي مقاربات هيكلية لاستئصال الظواهر من جذورها، فليس حجب المواقع البورنوغرافية هو العصا السحرية التي ستخلص مجتمعا كاملا من مشاكل متعلقة بالاعتداءات ومختلف أشكال العنف الجنسي”.
وأوضح المتحدث أن “دعوات المنع تبقى مقبولة ومشروعة، لكن المنع العملي يجب أن يكون مسنودا بتوصيات وخلاصات وبحوث توضح بشكل واضح تورط هذه المواقع في تنامي الجرائم الجنسية”، خاتما بأن “رفع الوعي لدى اليافعين والشباب من أجل نمو جنسي سليم، يجب أن يحضر فيه الدور الأبوي بشكل أساسي”.