من شاهد مباراة المنتخب المغربي ونظيره الجزائري برسم الجولة الأولى من منافسات البحر الأبيض المتوسط التي تقام حاليا بوهران، يدرك ويتلمس بجلاء مدى الاحتقان والشحن الذي تمارسه الطغمة العسكرية، ومعها أبواق الإعلام المسخر، على فريق يافع من الشباب الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة.
فقد بدا واضحا المنسوب العالي من الشحن في تصرفات اللاعبين الجزائريين الشباب، الذين انطوت بعض ردود فعلهم على كراهية وعنف مفرطين استدعت الطرد والإنذار في أكثر من مناسبة، إلى درجة اعتقد معها المتفرج وكأن هؤلاء اللاعبين الصغار يتحركون في رقعة الملعب بتوجيهات من الثكنات العسكرية وبإملاءات من قنوات المخابرات، وليس بناء على خطة المدرب القابع وراء خط تماس ملعب مدينة مستغانم الذي احتضن هذه المباراة.
ولعل المؤسف أكثر هو أن هذا الشحن الأعمى تمدد وانتقل حتى إلى الجمهور المتفرج في المدرجات، الذي أطلق صافرات الاستهجان عند سماع صدى النشيد الوطني المغربي، في سلوك أرعن يفتقد إلى الروح الرياضية، كما انخرط في حملة من السب والشتم والإهانة في حق لاعبي المنتخب المغربي بوتيرة تصاعدية، ازدادت حدتها بعد نهاية المباراة بنتيجة الفوز الذي حققه اليافعون المغاربة بفارق هدفين لصفر.
ولم يسلم من هذا الشحن المتنامي حتى أعضاء البعثة الرسمية المغربية الذين تابعوا هذه المباراة، والذين تم منعهم في البداية من ولوج المنصة الشرفية الرسمية، وتم وضعهم في مدرجات بعيدة تحت ألسنة الشمس الحارقة، قبل أن تتحرك الهواتف ويتم السماح لهم، بشكل استثنائي، بالجلوس في المدرجات المغطاة وليس المنصة الشرفية.
حراسة تقبض الأنفاس
لم يعد خافيا على أحد أن الحراسة المطبقة على الوفد الرياضي المغربي المشارك في منافسات وهران المتوسطية هي “حراسة غير عادية”، حتى لا نقول إنها إجراءات مراقبة تجسسية مثلما وسم ووصم الإعلام الجزائري الصحافيين المغاربة. فالبعثة الرياضية المغربية لوحدها هي من تخضع لمراقبة لصيقة من طرف ستة عناصر أمنية داخل القرية الأولمبية، بخلاف جميع البعثات الرياضية الأخرى التي يحرسها عنصر أمني واحد.
أكثر من ذلك، أثارت مسألة تشديد الحراسة على موكب الوفد الرسمي المغربي الذي يمثل القطاع الوصي على الرياضة العديد من التساؤلات والاستفهامات المفتوحة على أكثر من تأويل. فالموكب المغربي يكاد يضاهي أو يزيد في حراسته على موكب وزير الرياضة الجزائري، بخلاف باقي المواكب والبعثات الأخرى، إلى درجة تواترت معها العديد من القراءات التي تتحدث عن “رقابة لصيقة” أكثر منها إجراءات رسمية.
فضائح الرياضة وفظائع التنظيم
وحدها البعثة الرياضية المغربية من يتوجب عليها أن تبحث عن وسيلة طيران غير وطنية للوصول إلى وهران التي تبعد فقط بحوالي 260 كيلومترا بالطريق عن مدينة وجدة المغربية. والسبب ليس رياضيا بالطبع، وإنما هو سياسي تغذيه أحقاد النظام العسكري الجزائري ضد المغرب. فبعد إغلاق المجال الجوي على الطائرات المغربية والطائرات المسجلة بالمغرب، بات من الضروري أن يسافر الرياضيون المغاربة إما عبر تونس أو فرنسا، وهي مسألة بقدر ما هي مرهقة ومكلفة ماديا، فإنها تفضح تداخل الرياضة مع السياسة في أجندة الجار الشرقي للمملكة.
لكن لا أحد كان يتصور، حتى أكثر المتشائمين، أن يعمد حكم جزائري للملاكمة إلى تزوير مفضوح لنتيجة النزال الذي جمع بين ملاكمة فرنسية ومنافستها المغربية. فهذا الحكم الجزائري أعلن فوز الملاكمة الفرنسية رغم أنها كانت خاسرة بفارق نقط عديدة أمام الملاكمة المغربية. وقد اضطر طاقم التحكيم خارج الحلبة إلى الانتقاض والانتصار لأخلاقيات الرياضة وتوجيه الحكم الجزائري إلى جادة الصواب وإعلان فوز الملاكمة المغربية على منافستها التي كانت تحمل قميص المستعمر السابق للجزائر.
وفضائح الدورة وفظائعها لا تقتصر على المنافسات الرياضية فقط، وإنما امتدت إلى العديد من المجالات الأخرى المرتبطة بالتباري الرياضي. ويحكي في هذا الصدد أحد أعضاء الطاقم التلفزي المرافق للوفد المغربي كيف اضطر للعودة إلى المغرب بسبب نتيجة خاطئة للكشف عن “كوفيد-19”. كما أكد المصدر ذاته أن العديد من المشاركين في هذه الألعاب يشتكون من فحوصات وباء كورونا التي قال عنها إنها “مشوبة بكثير من التضارب والتباين في النتائج”.
هذه شذرات فقط من فضائح الدورة 19 لألعاب البحر الأبيض المتوسط المقامة بوهران، التي قال عنها عبد المجيد تبون إنها ستكون غير مسبوقة في تاريخ المنافسات. وفعلا، فقد دخلت هذه الدورة التاريخ! لكن من بابه الخلفي، باعتبارها أول منافسة رياضية تقصي الإعلاميين والصحافيين من المشاركة بدعوى أنهم “جواسيس وعملاء”، وأنها أول تظاهرة رياضية يقاس فيها الفوز في نزالات الملاكمة بالحنين إلى التاريخ الاستعماري وليس على أساس عدد اللكمات المصوبة والأخطاء المرتكبة.