مرة أخرى وقبل متم شهر أكتوبر لهذه السنة، يتأكد لخصوم المغرب وأعداء وحدته الترابية بما لا يدع مجالا للشك أن الدبلوماسية المغربية التي تستمد قوتها من تعليمات العاهل المغربي محمد السادس، ماضية في طريقها نحو تحقيق مزيد من الانتصارات ليس فقط على مستوى خدمة قضية الصحراء المغربية، بل على عدة مستويات أخرى اقتصادية وثقافية ورياضية وغيرها. ويتجلى ذلك في الزيارة التي يقوم بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبلادنا على مدى ثلاثة أيام مرفوقا بزوجته بريجيت ووفد إعلامي كبير وآخر من الوزراء ومدراء شركات كبرى وفاعلين اقتصاديين وشخصيات ثقافية وفنية فرنسية وأخرى من أصول مغربية.
ذلك أنه واستنادا إلى ما ورد في بلاغ للديوان الملكي، قام صاحب الجلالة الملك محمد السادس بدعوة منه باستقبال رئيس الجمهورية الفرنسية فخامة السيد إيمانويل ماكرون، الذي حل بالمغرب يوم الاثنين 28 أكتوبر 2024 من أجل زيارة دولة لمدة ثلاثة أيام إلى غاية 30 أكتوبر 2024، حيث أجرى قائدا البلدين مباحثات، تناولا من خلالها الانتقال نحو مرحلة جديدة للعلاقات القوية بين القطرين الصديقين، في إطار شراكة استثنائية متجددة، وخارطة طريق استراتيجية للسنوات المقبلة. حيث يعتزم القائدان من خلال هذه الشراكة إعطاء دفعة حاسمة للعلاقات الممتازة متعددة الأبعاد بين المغرب وفرنسا، قصد الأخذ في الاعتبار طموحات البلدين ومواجهة التطورات والتحديات الدولية معا…
وهي الزيارة التي توجع بدون أدنى شك النظام العسكري الجزائري، وخاصة أنها تأتي بعد ثلاث سنوات من “الجفاء” أو توتر العلاقات بين البلدين، جراء قيام بعض الجهات المعادية للمغرب الرافضة لأي تقارب بينهما، بافتعال قضية “بيغاسوس” وغيرها. وتهدف بالأساس إلى إضفاء زخم جديد على العلاقات الثنائية التي ظلت محافظة على رسوخها متانتها، باعتبار المغرب لاعبا إقليميا متميزا وشريكا تجاريا مقربا من فرنسا والاتحاد الأوروبي. وإبرام عديد الاتفاقيات والشراكات في كثير من المجالات، منها مجال الشباب، التكامل المهني، التدريب والتشغيل، التنمية الاقتصادية، القدرة التنافسية الإقليمية، اللامركزية والتنقل، المناخ والبيئة، والعلاقات الثقافية الثنائية بين فرنسا والمغرب، مما قد يؤدي إلى الدفع نحو الأمام بعجلة العلاقات الدبلوماسية التي تعد من أقدم العلاقات وتمتد من القرن الرابع عشر.
فالرئيس الفرنسي الذي جدد دعم بلاده للسيادة المغربية على الصحراء في خطابه أمام البرلمان، يطمح عبر هذه الزيارة المتميزة ليس فقط إلى تعميق العلاقات الدبلوماسية الثنائية، بل كذلك إلى توقيع اتفاقيات وعقود تجارية تصل قيمتها حسب معطيات رسمية إلى ثلاثة مليار يورو. إذ سيتم التوقيع على صفقة شراء أسطول من المروحيات الهجومية متعددة المهام من طراز “كاراكال” لفائدة القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي، وتستخدم هذه المروحيات القتالية الثقيلة (11طنا) في مجال البحث والإنقاذ والنقل والهجوم أو حتى القوات الخاصة. والتوقيع أيضا على شراء طائرات “هليكوبتر” وعلى تبادل الخبرات والتدريب والتعاون الأمني بين البلدين، فضلا عما أعدته فرنسا من مشاريع تنموية في الصحراء المغربية، وإطلاع الرئيس الفرنسي العاهل المغربي خلال جلسة عمل على نية بلاده فتح قنصلية لها ومركز ثقافي فرنسي في مدينة العيون…
وقد خلفت هذه الزيارة ارتياحا واسعا في أوساط الشعبين الفرنسي والمغربي، وكذا في دول أخرى، منها تلك التي ما انفكت تنوه بما تقوم به الدبلوماسية المغربية من أدوار رائدة في اتجاه تطوير علاقات المغرب مع جيرانه الأوروبيين، ونيل دعمهم المباشر والصريح للمبادرة الهادفة إلى منح الصحراويين حكما ذاتيا موسعا تحت السيادة المغربية، التي قدمها المغرب لمجلس الأمن الدولي منذ عام 2007 وكسب مزيد من الاعترافات بمغربية الصحراء على غرار الموقف الأمريكي والإسباني والألماني وغيره خلال السنوات الأخيرة، مستغلا بذلك العلاقة المتوترة للنظام العسكري الجزائري مع عدد من الدول عبر العالم، حيث أنه لم يستطع كبح جماح مسار المغرب التنموي الناجح ولا الحيلولة دون ما يقدمه من حلول ناجعة ومقنعة للنزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية.
إننا إذ نثمن عاليا هذه الزيارة المتميزة لبلادنا من قبل إيمانويل ماكرون رئيس الجمهورية الفرنسية الدولة العضو في مجلس الأمن، التي تأتي في إطار التشاور وتبادل الأفكار والخبرات حول عديد القضايا الثنائية والإقليمية، ومن شأنها تمتين ومد جسور الصداقة العريقة والمصالح المشتركة، فإننا ندعو كافة المغاربة إلى مزيد من التلاحم والاصطفاف خلف عاهلنا المفدى محمد السادس من أجل تقوية الجبهة الداخلية والتصدي بقوة لمناورات خصوم وأعداء وحدة المغرب الترابية، والمساهمة الفعالة في بتنميته والحفاظ على أمنه واستقراره الدائمين.