دعا الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب إلى معالجة التحديات والصعوبات التي تواجه الجالية المغربية المقيمة بالخارج، والعمل على توطيد ارتباطهم بالوطن، مشددا على ضرورة أن يأخذ الإطار التشريعي والسياسات العمومية خصوصيات هذه الفئة بعين الاعتبار.
وتساءل الخطاب الملكي حول مدى ليونة المساطر الإدارية وحجم التأطير الديني والتربوي الذي يتم تقديمه للجالية، وكذا الظروف المناسبة لنجاح مشاريعهم الاستثمارية، مؤكدا أن “الدولة تقوم بمجهودات كبيرة لضمان حسن استقبالهم، إلا أن ذلك لا يكفي؛ لأن العديد منهم ما زالوا يواجهون العديد من العراقيل والصعوبات، لقضاء أغراضهم الإدارية، أو إطلاق مشاريعهم وهو ما يتعين معالجته”.
قسم محمد شقير، الباحث في العلوم السياسية، مراحل تطور الجالية المغربية في الخارج إلى مرحلة ما قبل دستور 2011 ومرحلة ما بعدها، موضحا أنه في عهد الراحل الحسن الثاني تم تسهيل سفر المواطنين إلى الخارج؛ نظرا إلى حاجة المغرب إلى العملة الصعبة من جهة، وأوروبا إلى اليد العاملة لإنجاز البنيات التحتية اللازمة بعد الحرب العالمية الثانية من جهة ثانية.
وتوجه معظم المغاربة آنذاك إلى مناجم أوروبا ومجموعة من مؤسسات النقل، وبعد ذلك عادوا إلى المغرب دون التفكير في الاستقرار في دول المهجر، إلا أنه وبعد عقدين من الزمن استقر الجيل الثاني والجيل الثالث بهذه الدول الأوروبية.
بعد ذلك، تابع الباحث، ظهرت وجهات أخرى لـ”تصدير” العمال المغاربة إلى دول الخليج مع انطلاق الثورة النفطية، فتوجهت نوعية جديدة من المغاربة والمغربيات للعمل في أنشطة سياحية، أعقبت ذلك موجة ثالثة للهجرة شملت دول أمريكا الشمالية حيث أصبحت مجموعة من الكفاءات تقوم بالهجرة إلى هذه الدول الأنجلوساكسونية.
وأوضح شقير أن التطور الذي شهدته الجالية تطلب من السلطات تأسيس مؤسسة الحسن الثاني تعنى بأدوار اجتماعية، خاصة ما يتعلق باستقبال الجالية، وتم أيضا تشكيل وداديات مهمتها أمنية أكثر منها تأطيرية، حيث كانت تتعامل مع السفارات فيما يتعلق بتتبع وملاحقة عمال الخارج خاصة في فرنسا التي كانت تشكل معقلا للمعارضين السياسيين في تلك الفترة.
وعلى المستوى السياسي، كان الملك الراحل الحسن الثاني قد اقترح تحديد مقاعد برلمانية لتمثيل العمال في الخارج؛ لكنها تجربة انتهت بعد وفاته، ليعطي بعد ذلك دستور 2011 اهتماما بالمغاربة المقيمين بالخارج، إذ حث على إشراكهم في العمل السياسي، وحدد المعالم الكبرى للرغبة الرسمية في تأطير وإشراك الجالية.
وفي سياق حديثه عن أهمية التطور الذي عرفته الجالية، أشار الباحث إلى منطقة سوس التي استقبلت مغاربة الخارج الذين قاموا باستثمارات في القطاع السياحي. وفي هذا الصدد، أبرز شقير أن الإيراد الأول أو الثاني لخزينة المملكة يتشكل من تحويلات مغاربة الخارج، وهو ما برز بشكل كبير في فترة كورونا.
هذا الوزن الاقتصادي والمالي، قال شقير، ترغب السلطة في تأطيره؛ وهو ما شددت عليه الخطب الملكية، بتأكيدها على خلق سياسات عمومية متناسقة لهذه الجالية. ومن هنا، كانت التشكيلات الحكومية تضم وزارات مكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج تعكس التصور الجديد للسلطات في التعامل مع الجالية، وكذا تأسيس مجلس الجالية.
ومن جهة أخرى، يعمل المغرب على إرسال بعثات وأساتذة من أجل تكوين وتلقين أطفال الجالية؛ لكن هذه المبادرة تبقى محدودة.
وبالعودة إلى المشكل المطروح حول كيفية إشراك أبناء الجالية في تدبير الشأن السياسي للمغرب، أكد الباحث أن هذا الإجراء يعرف تعثرا يرجع إلى التخوف من اختراق الجالية من قبل تيارات متطرفة، أو هيئات معارضة للنظام، بالإضافة إلى ضعف التأطير من طرف الأحزاب، وعدم قدرتها على استقطاب فئات متشبعة بثقافة سياسية مهمة ولها هامش حرية كبير.
من جانبه، قال محمد جدري، المحلل الاقتصادي، إن الحكومات المتعاقبة أعطت أهمية كبرى للجالية المقيمة بالخارج، من خلال المساهمة في تعليمهم اللغة العربية وكذلك تعاليم الدين الإسلامي.
وفيما يهم تنظيم عملية مرحبا من أجل تسهيل ولوج مغاربة العالم، أشار جدري إلى أن السلطات عملت على تخفيض أسعار التذاكر السنة الماضية في عز الجائحة، وإقرار إعفاءات ضريبية لأفراد الجالية الذين ينوون شراء عقارات بالمغرب، إلى جانب خلق صندوق لدعم استثمارات مغاربة العالم الذي يمكن أن يصل إلى حدود 5 ملايين درهم، بالإضافة إلى المجهود الذي بذل من أجل تبسيط الإجراءات الإدارية عن طريق وضع شبابيك خاصة رهن إشارة أفراد الجالية أثناء عطلهم بالمغرب، خصوصا في فترة الصيف، وكذا رقمنة الخدمات القنصلية إما عبر رقمنتها والقيام بتنظيم قنصليات متحركة.
وأضاف جدري أن تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج وصلت إلى مستويات قياسية خلال السنتين الماضيتين، حيث تجاوزت 93 مليار درهم سنة 2021؛ إلا أن حجم الاستثمارات لا يتجاوز 10 في المائة من هذه التحويلات، بسبب ضعف مواكبة ومتابعة المستثمرين وكذلك الصعوبات الإدارية والمسطرية.
وتابع الباحث: “المطلوب اليوم هو سن تشريعات خاصة بهذه الفئة لتسهيل ولوجها إلى الفرص الاستثمارية الممكنة، ومواكبتها ومتابعتها من طرف المؤسسات المختصة نظير المراكز الجهوية للاستثمار والوكالة الوطنية للتشغيل وإنعاش الكفاءات، وتسهيل ولوجها إلى الوعاء العقاري، وكذلك العمل على تسهيل مساطر الولوج إلى دعم صندوق مغاربة العالم والذي لم يعرف نجاحا كبيرا بسبب ضعف التعريف به وصعوبة مساطره”.