مع بلوغ موجة التضخم العالمية خلال سنة 2022 مستويات قياسية، أعد خبراء اقتصاديون رئيسيون في مجموعة البنك الدولي ورقة تحليلية في هذا الموضوع الذي بات يؤرق عددا من الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خاصة منها تلك تعاني تضخما كبيرا جراء تداعيات الصراع الروسي الأوكراني منذ فبراير 2022.
وتحاول الورقة المعنونة بـ”الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.. أربع سياسات يمكن لبلدان المنطقة اتباعها لمكافحة التضخم”، في بدايتها، تقديم تعريف مبسط للظاهرة، مؤكدة أنه يتمثل في “الزيادة العامة والمتواصلة لمستوى الأسعار في اقتصاد ما، والمقياس الذي يشيع استخدامه للتضخم هو مؤشر أسعار المستهلكين الذي يقيس أسعار سلة تمثيلية من السلع والخدمات التي تشتريها الأسرة العادية”.
ولفتت الورقة، التي اطلعت عليها هسبريس، إلى أن كل البلدان أصبحت في “أشد الحاجة إلى اتخاذ قرارات سياسات صائبة من شأنها تيسير النمو الاقتصادي المستدام وتقليص التضخم الذي يؤثر على الفقراء أكثر من تأثيره على الأغنياء، موصية باتباع “أربع سياسات تعالج ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض معدلات النمو إلى جانب دعم الفئات الأقل دخلا”.
وسجل خبراء البنك الدولي في الظرفية الراهنة ما وصفوه بـ”هيمنة أجور العاملين في القطاع العام، وأنظمة الدعم غير الموجَهة إلى فئات بعينها، وأعباء خدمة الديون على الإنفاق العام”، مشيرين إلى أنها “تسهم جميعا في أوجه الجمود في الموازنة”.
وعلى الرغم من عدم وجود “خيار يُذكَر أمام البلدان المعنية في الأمد القصير”، فإن تحليل خبراء المؤسسة المالية الدولية أوصى بضرورة تحسين جودة إنفاقها عبر جعل “الإنفاق العام أكثر تركيزا على تحسين الأداء، مع تخفيض أنظمة دعم الطاقة غير المُوجَهة لفئات بعينها”.
وشددت توصيات البنك الدولي على مباشرة “إصلاح البنية التحتية والشركات المملوكة للدولة، وزيادة كفاءة تدبير المديونية من أجل تقليص تكاليف خدمة الديون”، موردة في هذا السياق مثال “تقليل الاعتماد على التمويل قصير الأجل مرتفع التكلفة”.
وأورد البنك الدولي أنه “يساعد مختلف البلدان في هذه الجهود من خلال استعراضات الإنفاق العام، وتحليلات أثر الضرائب والإنفاق الحكومي على الدخل الحقيقي، وإسداء المشورة بشأن تمويل البنية التحتية وإدارة الديون”، لافتا إلى أن المغرب يستفيد من المواكبة، في هذا الإطار، ضمن مجموعة دول أخرى.
وفي توصية ثانية، حذر خبراء البنك الدولي من “الالتزامات الطارئة سواء كانت ناجمة عن ضمانات حكومية لشركات مملوكة للدولة أو مشاريع القطاع العام، أو ضمانات ضمنية كما يحدث حينما تقترض شركة مملوكة للدولة على أساس دعمٍ مُتصوَر من الحكومة، أو التزامات أخرى”، مشيرا إلى مثال اتفاقيات شراء الكهرباء التي ترهن الديون في ظل “ضعف استرداد التكاليف”.
وشكل “تفادي ھيمنة المالية العمومية” التوصية الثالثة الموجهة في الموضوع من طرف الخبراء الاقتصاديين للمؤسسة المصرفية العالمية إلى صانعي السياسات المالية بمنطقة “MENA”، محذرا من عواقب ما وصفته الورقة بـ”الاعتماد المفرط على البنوك المركزية”.
ودعا المصدر ذاته إلى “حماية الفئات الفقيرة والأكثر احتياجا ” بالنظر إلى كونها الأكثر تضررا من موجة التضخم الحالية، مسجلا في هذا الصدد أن “ارتفاع معدلات التضخم يدفع الأسَر في أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نحو الفقر؛ لأن الإنفاق على الغذاء يشكل جزءا كبيرا من ميزانيات تلك الفئات”، مُخصصا بالذكر دولا تبلغ نسبة المواد الغذائية من ميزانياتها العمومية أكثر من 30 في المائة، من بينها المغرب.
ولتجاوز هذا الإشكال، خلص خبراء البنك الدولي إلى التوصية بـ”الحد من برامج الدعم الشامل، مع استخدام أنظمة الحماية الاجتماعية القائمة على التحويلات النقدية”.