لطالَما أحيت النيازك مُخيّلة البشر بعلاقتها مع السماء التي تسقط منها فجأة، لتستريحَ في مناطق معينة، بانتظار من يرصدها من الصّائدين. هم أشخاصٌ يبحثونَ عن الثراء في كرة النار؛ فهذا الحجر الأسود الصامت قد يغيّر حياتهم بشكل صارخ لم يحلموا به.
من تلك المناطق التي تنشط فيها حركة التنقيب عن النيازك منطقةُ زاكورة التي توجهنا ناحيتها، رفقة زايد الكيرح، الباحث عن الأحجار الثمينة، بعد رحلةٍ امتدّت خمسَ عشرة ساعة، وسَط نهارٍ قائظ اشتعلت فيه رمالُ زاكورة بأشعّة شمسِ صيفٍ قاسٍ.
في رمال الصحراء وصخورها وَجدَ زايد الكيرح في الأحجار النيزكية وسيلة مهمة للخروج من دائرة الحاجة. صحيح أن تلك الأحجار لم تكن تنتمي إلى تربة الجنوب الشرقي، لكنه وجدها هناك، فَأصبح لقاؤه بها أعزّ ما يُطلب في تلك المرحلة المتأرجحة بين الأرض والسماء، متطلّعا بذلك إلى مستقبل قد يأتي وقد لا يأتي.
عيونٌ تَحرسُ البَيْداء
عندَ حلولنا بمنطقة زاكورة الحارقة بحرارتها الملتهبة، تلقّى مرافقنا اتصالاً هاتفياً من أحد أصدقائه بقرية تاكونيت، يخبرهُ فيه باكتشاف عينة نيزكية جديدة من لدُن رحّل الصحراء، وطلب منه الالتحاق بالمقهى الرئيسي الكائن بتلك القرية البعيدة عن المركز بنحو سبعين كيلومتراً.
ونحن في طريقنا إلى تلك المنطقة الريفية، بدأ زايد الكيرح يُحدّثنا، والابتسامة تعلو محيّاه، عن أهمية المقهى في البحث عن النيازك بالجنوب الشرقي، قائلاً: “أن تكون صياد نيازك يعني أن تقتفي الأثر لكل دليل يقودك إلى حجر ثمين، وأن تتجه إلى أهم مصدر للحصول على المعطيات.. إنه المقهى”.
وسط فيافي تاكونيت العارية من الحياة، التقيْنا بمجموعة من الباحثين الشباب عن النيازك بمقهى القرية. محمد (35 سنة) عرَض عيّنة نيزكية من صنف “الكوندريت” على مرافقنا زايد الكيرح من أجل شرائها. أمْسَك هذا الأخير مكبّرا إلكترونياً لفحص قشرة الحجرة السوداء، قبل أن يضَعها فوق ميزان صغير لمعرفة وزنها.
ابتهجَ زايد الكيرح بتلك العينة، وسأل صائدَ النيازك عن بقيّة أجزائها. صمت هنيهةً، قبل أن يُشعِل سيجارة ذات مذاقٍ لاذع، ويُجيبه بأن القطعة النيزكية توجد لدى أحد الرحل. قاطعه مرافقنا، وطلب منه اصطحابنَا إلى مكان إقامة الرحّل، فوافق على الفور، لتكون بذلك وجهتنا القادمة هي صحراء بُوتْيُوس البعيدة عن زاكورة بأربعين كيلومتراً.
الصحراء تَحْيَا بالرحَّل
في مساء ذلك اليومِ “الخانِق” توجّهنا إلى صحراء بُوتْيُوس، بمعيّة زُمرةٍ من صائدي النيازك، للقاء البدوّي الرّحال، الذي عثرَ على أجزاء كبيرة من القطعة النيزكية، التي تناثرت شظاياها على مساحة شاسعة من هذه الصحراء اللامتناهية، التي تزداد وحشة وامتداداً كلما دخلنا إلى أعماقها المُضمّخة بالاغتراب.
وعن أهمية الرحل في اكتشاف الأحجار النيزكية، يقول زايد الكيرح، وهو يرتدي “درّاعيته” الصحراوية الزرقاء، إن “الرّحل هم صائدو النيازك الذين يطاردون فَلتات السماء على امتداد السنة”. يتوقف قليلا، قبل أن يضيف “إذا كانت الدول الأوروبية تمتلك أفضل الأجهزة لرصد النيازك، فإن المغرب يمتلك ما هو أكثر نجاعة وأقل كلفة”.
ويسترسل المتحدث ذاته، وهو يمسحُ تراب الصحراء عن جبهته، قائلا إن “الرحل يجسّدون أفضل طاقمٍ للبحث عن المادة المختبرية، بفعل تحمّلهم النادر للظروف الطبيعية القاسية في هذا الفراغ الصحراوي”. ولم يَكد يُكملُ حديثه حتى وجدنا أنفسنا نقترب من البدويّ المُنقّب عن الأحجار الثمينة بالفيافي القاحلة.
واصلنا مسيرَنَا، طيلة ساعتين ونصف من الطرق الرملية الوعرة، باستخدام سيارات الدفع الرباعي التي يصفها سكان المنطقة بأنها “سُفن الصحراء”، حتى بلغنا بَيداء بُوتْيوس الهادئة. هُنا إشارة شبكة الهاتف منعدمة، ودرجة الحرارة تقارب الخمسين. ومَع ذلك يتعلّق البدوّي أحمد الناجي بهذا الفضاء الصحراوي الذي تعلّم فيه البحث عن النيازك.
ومن الرّمال ما يقتل!
الأحجار الثمينة هي مصدر للحظ السعيد بالنسبة إلى أحمد الناجي، الذي يتطلع كل ليلة إلى السماء المضيئة لعّله يرصد نيزكاً شاردا يسقط قربه، لينتقل من العوْز إلى الغنى. هكذا تحوّلت هواية البحث عن النيازك إلى مهنة لدى رحّل زاكورة، لتُصبح بذلك رحلةُ البحث عنها عبارة عن حكايةٍ لا تموتُ بالجنوب الشرقي.
لكن رحلة البحث عن النيازك ليست بالأمر الهيّن؛ بل تتطلب سفراً دائماً بين صحاري المنطقة، وهو ما اعتاد عليه صائد النيازك من الرحل الذي التقينا به. بلكنته الصحراوية القحّة، يؤكد لنا أحمد الناجي أن “شظايا النيازك تتناثر على مساحة شاسعة من الصحراء”، مشيرا إلى أن ذلك يجعله يستغرق أياماً معدودات من التنقيب والحفر.
يعيش راعي الأغنام على غرار رحّل المنطقة في خلاء موحش، تتدفق فوق رماله أنهار السّراب الفضية. “يَحرثُ” الصحراء الرملية، ليل نهار، باحثاً عن أحجارٍ نادرة. وفي هذا الشأن يقول لنا أحمد الناجي، بعدَ تعليف مواشيه، إن “فترة التنقيب عن النيازك قد تصل إلى 4 أشهر من البحث المتواصل”.
ويستطرد، وهو يقوم بتقْليب الشاي، قائلا: “لا أعثر على شيء في بعض الأحايين، مع ما يعنيه ذلك من مصاريفَ مرتفعة”. ويواصل بدارجته الصحراوية: “دَكْشِي فيه الزْهَرْ.. تَقْدَر تَلْقَى، تَقْدَرْ مَاتْلْقَاشْ”. وبخصوص مخاطر الرحلة، يوضح لنا بأن “بعض الرحل قتلهُم العطش بتلك الصحاري، والبعض الآخر قتلته لدغات الأفاعي”.
الثّراء يأتِي من السّماء
قدْ تكون النيازك مصدر هلعٍ لدى السكان، لكنها قد تكون أيضاً مصدر ارتياح لدى الرحل الباحثين عن القطع النادرة. بدوره، يتوفر أحمد الناجي على مجموعة ثمينة من الأحجار النيزكية؛ بينها القطعة التي تفحّصها مرافقنا زايد الكيرح خلال اللقاء الذي جمعه بأصدقائه في مقهى تاكونيت.
تجاذَبَ الباحثان عن النيازك أطراف الحديث حول سعر تلك القطعة، قبل أن يتّفقا على ثمنٍ موحد. وبالنسبة إلى زايد الكيرح، فإن “أسعار النيازك باتت معروفة لدى المهنيين؛ فلكلّ صنف تسعيرته الخاصة”، مورداً أن “ثمن الكوندريت العادي يتراوح بين 50 و1000 درهم للكيلوغرام الواحد، بينما تُباع أصناف أخرى ذات جودة عالية بثمن مرتفع”.
سألنا البدوّي أحمد الناجي عن كيفية تمييزه بين الأحجار النيزكية، فأجابنا بأنه يستطيع تصنيف بعض الأحجار بعينيه فقط؛ بعد احتكاكه بالمهنيين، مشيرا إلى أن “الأسعار تختلف تبعاً لجودة العيّنات التي قد يتعدّى سعر بعضها الألف درهم، وقد لا يتجاوز سعر بعضها الآخر مائة درهم”.
“أصنافٌ كثيرة من تلك النيازك يتعذّر تصنيفها بالعين المجردة حتى من طرف المهنيين”، يؤكد ذلك زايد الكيرح، الذي يقول إن “بعض الأحجار يتم إرسالها إلى المختبرات العلمية لإجراء التحاليل اللازمة، ليتمّ بعدها تحديد السعر”.
صائدون يُقارعونَ الواقع
“إكراهات المهنة لا تنحصر في التنقيب عن النيازك، بل تمتدّ إلى مرحلة البيع، بالنظر إلى غياب مختبرات وطنية لفحص الأحجار الثمينة”. ذلك ما جاء على لسان لحسن البرد، رئيس الجمعية المغربية للنيازك بزاكورة، الذي أشار إلى معضلة تسويق النيازك بالمغرب.
ويتابع لحسن البْرد، الذي رافقَنا هو الآخر إلى صحراء بُوتْيوس للقاء رحل زاكورة، بأنه “ينبغي إنشاء مختبر وطني لتشخيص وفحص النيازك قصد الحفاظ على الثروة المعدنية بالمغرب، وتفادي إشكالات التهريب”، مبرزا أن “أغلب المهنيين يبعثون العينات النيزكية إلى مختبرات الصين وألمانيا وأمريكا”.
الجمعية المغربية للنيازك بزاكورة، التي ينضوي تحت لوائها عشرات الباحثين عن الأحجار الثمينة بدرعة تافيلالت، تسعى إلى مواكبة الرحل وهواة النيازك، معتبرة نفسها حلقة وصل بين المهنيين والمسؤولين. ويُعلّق لحسن البْرد على ذلك قائلا: “أسّسنا الجمعية سنة 2017 لتحسين جاذبية المجال من خلال إنشاء متحف للنيازك بزاكورة، والتنسيق بين الجمعيات الفاعلة في القطاع، والتواصل مع الخبراء العلميين”.
ومن بين الخبراء العالميين الذين تتعامل معهم الجمعية سالفة الذكر نجد حسناء الشناوي أوجهان، أستاذة بكلية العلوم عين الشق بالدار البيضاء ورئيسة مؤسسة “الطريق لعلوم النيازك والكواكب”، التي تقتني العديد من العيّنات المكتشفة من المهنيين، وتُشرف على التحاليل المخبرية التي تنجزها بشراكة مع مختبرات أجنبية.
عالمة النيازك هاته لديها شبكة موثوقة من الصائدين المحترفين الذين تتعامل معهم بصحاري المملكة. وعن ذلك تقول الباحثة إن “الصائدين يوفّرون لي العينات الميدانية عن مكان السقوط، وإحداثيات الأحجار المكتشفة، مما يساعدني على توثيق وتصنيف النيازك، وهو ما جعل الكثير من النيازك العالمية تحمل أسماءً مغربية خالصة”.
قواعد الصحراء النّائمة
لم يكَد ينتهي نهارنا بصحراء بُوتْيوس حتى أنذرتنا سيارة زايد الكيرح بما يُمكن أن ينتظرنا في القادم من الأيام. لقد تعرّض إطار المركبة للتّلف في هذا الخلاء القاحل قبيل لحظة الغروب. لحسن الحظّ تتوفر السيارة الأخرى التي رافقتنا في الرحلة على إطار احتياطي.
بعد ذلك بدأ الليل يتدفق بهدوئه وسواده العميق، فيملأ أعماق الصحراء اللامتناهية.. تكاثَفت الظلمات، وعمّ السكون الذي لا تخدشه سوى خطواتنا. استعملنا الوميض الاصطناعي الخاص بكاميرا التصوير لإضاءة المكان، وتعاونّا على صيانة السيارة.
وجدنا أنفسنا وسط بحرٍ من الرمال الجائعة، ولم نستطع مواصلة المَسير بعد إصلاح السيارة بسبب الظلمة، فعرَض علينا البدوّي أحمد الناجي أن نقضي الليلة معه. نَصَبْنا خيمتنا، وأشعلنا النيران، ثم اسْترحنا فيها.. ليل الصحراء مدهش وموحش في الوقت نفسه، لكنه لم يمنعنا من تأمل جمال النجوم المنيرة في السماء.
ليلة في أحضان الصحراء تعلّمنا فيها درساً مهمّا في التنقيب عن النيازك. لا بد من رفقاء أثناء رحلة البحث عن الأحجار الثمينة. وفي هذا الإطار يقول زايد الكيرح إن “الرحلة تبتدئ بحزم كافة المعدات التي تُعين الفريق على قضاء هذه المغامرات الصعبة، بما يشمل الطعام والشراب ووقود السيارات رباعية الدفع”، مضيفا “لا بد من السير على شكل قافلة بسبب المنحدرات الرملية الصعبة، لكن إذا هاجمتنا عواصف الصحراء فلن يكون بأيدينا سوى انتظار القدر”.
باحث عن النيازك.. ولكن!
في صباح اليوم الموالي اتجهنا إلى صحراء محاميد الغزلان للقاءِ صائد نيازك من المنطقة. لكن هذا الصائد لديه قصة أخرى في البحث عن “الأحجار الصامتة”، فهو لا يقتصر على التنقيب فقط؛ بل يمتلك أجهزة متطورة لتحليل المادة المختبرية، ويتعامل مع شركات كبرى لتصدير العينات المكتشفة.
إنه محمد الكيرح، ابن عمّ مرافقنا زايد الكيرح، الذي اصْطَحبَنا في جولة ميدانية للتنقيب عن بعض النيازك. هنا الحشرات “تتراكض” بحثاً عن الظلّ، هرباً من سياط الصَّهد. مع انتصاف النهار شرعنا في البحث عن تلك الأحجار باستعمال جهاز للكشف عن المعادن.
واصلنا المَسير في تلك الصحراء القاحلة حتى عثرنا على قطعة نيزكية من طراز “الكُوندريت”. يتفحّصها الكيرح بشكل جيد، قبل أن يخاطبنا قائلا: “صنفها هو الكوندريت L3”. ثم واصل كلامه، بعدَ أن مسحَ العرق عن جبهته، قائلا إن “المهنة ليست عشوائية، بل تتطلب حدّا أدنى من المعارف التقنية”.
وأضاف “مَاشِي غِيرْ أَجِي وْلْقَى نَيزك. إنها هواية تعلّمتها منذ الصغر من طرف والدي الذي كان يشتغل في الميدان، قبل أن أزاول المهنة بدوري عام 2005”. لكن محمد وزملاءه اختاروا منهجاً مغايراً في العمل، تمثل في تأسيس جمعية محلية أطلقوا عليها تسمية “الجمعية المغربية للنيازك” بزاكورة. رئيسها لحسن البْرد يوضح بأنها “تضمّ الجيل الثالث من المهنيين الذين ورثوا الحرفة عن آبائهم”.
هواةٌ يُبَعثرون الفَيافِي
في اليومِ التّالي غادرنا صحراء محاميد الغزلان نحو مدينة الرباط، حيث التقَيْنا بعبد الله آدم أرُونسون، مالك شركة لتصدير المستحثات والعيّنات المعدنية والنيازك. هذه الشركة تشتغل في هذا المجال منذ عقدين ونصف، وتتوفر على لائحة طويلة من الزبائن الأجانب الذين تتعامل معهم بمختلف دول العالم.
آدم أرونسون تربطه علاقة وطيدة برحّل زاكورة الذين يزاولون مهنة البحث عن النيازك، حتى صارَ اسمه يتردّد كثيراً على أفواه الصائدين الذين قابلناهم بصحراء بُوتْيُوسْ. وبشأن ذلك يوضّح لنا أرونسون أن علاقته بالمنقّبين عن النيازك مبنية على “الثقة” و”الشفافية”.
ومن داخل مقرّ شركته بضواحي العاصمة، يشرحُ لنا أرونسون طريقة العمل مع الباحثين عن النيازك، قائلا: “لما يعثُر مهنيٌّ ما على حجرة ثمينة، يتواصل معي على الفور، ويبعث لي صورة مكبّرة للنيزك عبر تطبيق “واتساب”. وإن كان مجهولاً يرسل عيّنة لتدقيقها، حيث نستعين بمختبرات الباحثين المغاربة والأجانب”.
ويُواصِلُ حديثه لهسبريس قائلا: “يصلُ عدد الهواة المغاربة الذين يبحثون عن النيازك إلى 10 آلاف شخص، يتوزعون على صحارِي المملكة”، مشيرا إلى أن “صناعة المستحثات والعينات المعدنية تبلورت في سبعينيات القرن الماضي، قبل أن تتوسع سوقها التجارية بالعالم في العقود الأخيرة”.
المغرب.. جنّة الجيولوجيين
في ليلة من ليالي يوليوز 2014 شاهد سكان قرية تِيغَرْتْ جنوب المغرب كرةً ناريةً تخترقُ سَماءَهُم بسرعة كبيرة، وتسقط على بعدِ كيلومتراتٍ مِنْهُم. بعد أيامٍ معدودات من التنقيب عثرَ أحد الصائدين على جزء من تلك القِطْعة الثمينة الموجودة حاليا بمعرض النيازك، الذي تشرف عليه الدكتورة حسناء الشناوي بمدينة الدار البيضاء.
خلال زيارتنا لهذا المعرض الخاص بالأحجار النيْزكية عرّفتنا عالمة النيازك المغربية على كوْكبة من النوادر التي اكتشفها رحّل المملكة. وبخصوص مساهمات الرّحل في “مغربة النيازك”، تقول الشناوي إن “تلك الأحجار تساهم في نشر أزيد من 50 بالمائة من المنشورات العلمية حول النيازك بالعالم كلّه”.
“شراكة رابحة لجميع الأطراف، لكن المستفيد الأكبر هو المغرب”؛ هكذا تُلخّص الخبيرة الدولية أهمية الصائدين في تعزيز الاكتشافات النيزكية بالبلد. وبالفعل، يحتضن المغرب أكبر نسبة عالمية من النيازك، مما يجعله “جنّة للجيولوجيين”، حيث يبلغ عدد النيازك المكتشفة بصحارِيه نحو 14 ألف نيزك.
18 نيزكاً من تلك المجموعة الثمينة أشرفت الدكتورة حسناء الشناوي على تصنيفها وتوثيقها في العشرين سنة الأخيرة لدى الهيئة العالمية لتسمية النيازك، وهو ما بوّأ المغرب الصدارة العالمية في هذا المجال. “حصيلة ليست بالسهلة”، تقول الخبيرة الدولية، قبل أن تضيف أن “تسمية النيازك تخضع لمسار علمي طويل من التوثيق والتصنيف”.
أغنياءٌ يطاردونَ الأحجَار
تصدير الأحجار النَيْزكية صار يخضع لمقتضيات قانونية جديدة بعد مصادقة الحكومة على مرسوم للمعادن والنيازك سنة 2019، يشترطُ على كل راغب في الحصول على رخصة التصدير أو الاستيراد إلزامية إيداع طلب لدى الوزارة الوصية على القطاع، مرفقاً بنسخة من وثيقة تحديد هوية طالب الترخيص، وبطاقة تعريفية للنيزك وعينة منه، ليحصل على وصل يدلي به عند التصريح بالتصدير أو الاستيراد لدى الجمارك.
عبد الله آدم أرونسون يعدّ أحد الفاعلين الرئيسيين في تجارة الأحجار النيزكية بالمغرب، حيث يتوفر على طاقم تقني كبير يسهرُ على تصدير تلك النوادر إلى خارج البلاد. وفي هذا الإطار يكشف أرونسون لهسبريس حيثيات التصدير قائلا: “نمنح الوزارة الوصية على القطاع 40 غراماً من النيزك إن تعدى كيلوغراماً واحداً، ونمنحها 20 غراماً إن كان أقل من كيلوغرام”.
ويشرح لنا وجهة تلك النيازك قائلا إن “الأحجار القليلة تُرسل إلى المتاحف العالمية للمساهمة في جهود الحفاظ على هذا التراث، فيما تُباع الأحجار الثمينة للمهتمّين بها”. ويُضيف أنه يتعامل مع “الكثير من أغنياء العالم الذين لديهم ميول شخصية لتجميع النيازك بمنازلهم”.
هي ثَرْوة نيزكية صارت موضع اهتمام وطني من قبل الرحّل والمُنقبين والمستَثمرين والأكادِيميين. تُفرّقهم المنطلقات الذاتية، وتجمعُهم المصالح الموضوعية، لكن المغرب يبقى الطرف الرابح من تلك المعادلة، لأن مساهمات تلك الأطراف مُجتمعةً جعلت البلاد تتبوأ الصّدارة في الاكتشافات النيزكية.