بالنظر إلى رغبة المملكة المغربية المعبر عنها في العقد الأخير في “تنويع الشراكات الاقتصادية والحصول على وضعية تفاوضية أفضل” مع الاتحاد الأوروبي، فإن “مبادرة ‘الحزام والطريق الصينية’ جاءت في وقت مثالي بالنسبة للمغرب”؛ كانت هذه أبرز خلاصات ورقة بحثية حديثة نشرها المعهد المغربي لتحليل السياسات، موسومة بعنوان “طريق الحرير الرقمية للصين في المغرب.. تداعيات هيمنة القطاع الرقمي”.
وأوردت الورقة، التي أنجزها الباحث برايس نيري الحاصل على دكتوراه في القانون ومحرر تنفيذي لمجلة “Journal of Technology, Environmental, and Innovation Law”، أن “المغرب أول دولة في شمال إفريقيا تلتزم بتنفيذ خطة “مبادرة الحزام والطريق” الصينية.
وفي ظل استمرار الصين في “توسيع نفوذها غربا”، أضاف نيري أن المغرب يتجه بـ”خطى تصاعدية ليصبح بوابة إستراتيجية ذات أهمية” ضمن حوض المتوسط؛ لافتا إلى أن “الاستثمار الصيني في المغرب قد استبق “مبادرة الحزام والطريق” الصينية؛ مُدللا على ذلك بـ”اعتماد التكنولوجيا والبنية التحتية الرقمية الصينية بأنحاء المملكة في العديد من الصناعات”.
الباحث، الذي تتمحور أبحاثه الأكاديمية الرئيسية حول وسائل المراقبة والسياسة الخارجية والقانون الدولي، سجل، ضمن أبرز خلاصات ورقته للسياسات الخارجية، أنه “على المدى القصير، قد تخدُم طريق الحرير الرقمية المغرب في تعزيز بنيته التحتية الرقمية؛ لكن التداعيات طويلة المدى قد تخلق مخاطر جسيمة، بدءا من التجسس الإلكتروني وجمع البيانات الجماعية والنفوذ السياسي الذي لا ينبغي تجاهله”.
شراكة إستراتيجية بطابع “براغماتي”
واسترسلت الورقة ذاتها واصفة الشراكة المغربية-الصينية بـ”البراغماتية” التي تشمل مجالات الصناعة والمراكز المالية والتجارة الحرة، قبل أن تتوقف عند حجم “معدل الاستثمارات الصينية في المغرب المرتفع بما يقارب 195 في المائة بين عامي 2011 و2015، وبـ 93 في المائة بين 2014 و2015.
برايس نيري، مؤلف ورقة السياسات، عاد بعقارب تحليله إلى ماي 2016، تاريخ إعلان الرئيس الصيني شي والملك محمد السادس عن “عقد شراكة إستراتيجية بتوقيع العديد من الاتفاقيات في مجموعة من القطاعات الاقتصادية”، حسب معطيات الورقة التي أشارت إلى أن ذلك سمح للصين فعليا بـ”الرفع من استثماراتها بشكل كبير في المغرب، قبل أن يوقع هذا الأخير رسميا على الانضمام إلى مبادرة “الحزام والطريق””.
في هذا الصدد، قدمت الحكومة الصينية مشروع “طريق الحرير الرقمي” في عام 2015 كأحد مكونات “مبادرة الحزام والطريق”، وهي في الأساس تغيير العلامة التجارية لأبعاد تكنولوجية والتي تشمل “تطوير قطاع الخدمات الرقمية، مثل التجارة الإلكترونية العابرة للحدود والمدن الذكية والتطبيب عن بعد والتمويل عبر الإنترنت”. كما تهدف هذه المبادرة إلى تسريع “التقدم التكنولوجي بما في ذلك الحوْسبة والبيانات الضخمة وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي وبلوك تشين (سلسلة الكتل) والحوسبة الكمية”.
تبعا لذلك، لم يتوان كاتب الورقة في التحذير من عواقب سلبية للهيمنة الصينية على القطاع الرقمي المغربي، قائلا: “رغم كثرة الحديث عن الفعالية الملموسة لمشاريع “مبادرة الحزام والطريق” الصينية في شمال إفريقيا حيث تم التغاضي، على العموم، عن الهيمنة الصينية في القطاع الرقمي المغربي بغض النظر عن تداعياتها الجسيمة الاقتصادية والجيوسياسية والأمنية”.
اعتمادا على “طريق الحرير الرقمي”، ترمي الصين إلى تمهيد الطريق أمام الشركات الصينية لتصبح “أنموذجا معياريا لتقنيات الاتصال في جميع أنحاء العالم وزيادة تأثير الصين على التكنولوجيا والأمن الإلكتروني ومعايير المراقبة”.
ومن خلال المعطيات المقدمة في هذا البحث، قام نيري بـ”دراسة مدى مصداقية هذه المخاطر المزعومة، وتحديدا فيما يتعلق بـ “طريق الحرير الرقمي” من أجل مقارنتها بالمكاسب الاقتصادية التي اعتبرها “لا جدال فيها”.
وخلص الباحث ذاته، بناء على البحث والتحليل، إلى أن “الشيطنة الغربية للاستثمار الصيني في مبادرة “الحزام والطريق” تبقى بشكل عام ضعيفة في أسسها، حيث إنه بالكاد توجد أدلة تؤكد أن مشاريع الصين مجرد “مصائد ديون”، وأن مخاطر الاستثمار هي نفسها مماثلة لتلك في القطاع الخاص؛ إلا أن التداعيات طويلة المدى والمرتبطة بالاعتماد على التكنولوجيا والبنية التحتية الرقمية الصينية تخلق مخاطر جسيمة تهم “التجسس الإلكتروني، وجمع البيانات الجماعية، والنفوذ السياسي الذي لا ينبغي تجاهله”.
المخاطر تهدد المكاسب
اعتبرت الورقة المذكورة أن “تنفيذ مخطط المغرب الرقمي 2025” هو مكون أساسي للتنمية المستقبلية للبلد، مستنتجا أن “مبادرتي “الحزام والطريق” و”طريق الحرير الرقمي الصينية” من شأنهما أن تساعِدا وتُعجلا بالتنمية من خلال الاستثمار الرأسمالي المفيد في البنية التحتية والتكنولوجيا الحيوية.
كما خلصت إلى أن العلاقة الاقتصادية مع الصين تسمح للمغرب بالتفاوض بشكل أكثر فعالية مع الشركاء الأوروبيين. و”مع استمرار المغرب في خلق فرص إضافية للمستثمرين الأجانب، تؤدي المنافسة المتزايدة إلى رفع القدرة التفاوضية للمغرب”.
وعلى الرغم من “انقسام واضح بين المخاطر والمكاسب الشفافة لمشاريع البنية التحتية المادية لمبادرة “الحزام والطريق”، وتلك الخاصة بــ”طريق الحرير الرقمية”، المبهمة والخفية وراء تعقيدات تقنياتها؛ فإن “الطبيعة العمياء وواسعة الانتشار لأنظمة التكنولوجيا الصينية قد تؤدي إلى تعريض المعلومات الوطنية والشخصية للخطر لخدمة المصالح الاستخباراتية الصينية”، وفق تعبير الباحث.
واستدرك الباحث أن “المغرب أبرز استقلاليته من حيث إن شركاته الخاصة وواضعي السياسات لا يقتنعون بسهولة بالمشاريع الصينية التي تعمل على تحقيق أهداف المغرب على المدى الطويل”، خالصا إلى أنه “يُستحسن مواصلة تضافر جهود واضعي السياسات المغاربة لتجنب الاعتماد طويل الأمد على التكنولوجيات الصينية”.
وأوصت الورقة، في ختامها، بعدم “الاستمرار في اعتماد التكنولوجيا الصينية” بالمغرب. كما قدمت مقترحات عملية تتمثل في “وضع قيود الإيجار الإلزامي على معدات الشركات التكنولوجية الصينية”؛ مما سيجبر الشركات المغربية على تجنب الاعتماد الدائم على التكنولوجيا الصينية عند انتهاء صالحية التراخيص، ثم “خلق حوافز لجذب مجموعة متنوعة من شركات الاتصالات في المغرب، لتجنب الاعتماد على شركة تصنيع تكنولوجية واحدة” مع الاستمرار في التخلص التدريجي من الاعتماد على مراكز البيانات الأجنبية، مما سيسمح للمغرب بالحفاظ على سيطرته على موْرده الأكثر قيمة، أي البيانات”.