في الوقت الذي استنكرت فيه فئة من المغاربة فيلم “سيدة الجنة”، معتبرة مضامينه مسيئة لشخصيات دينية وللصحابة، وبينما عبر المجلس العلمي الأعلى عن استنكاره الشديد لما ورد في الشريط السينمائي المذكور لمخرجه إيلي كينغ وكاتبه ياسر الحبيب، لكونه “يتعارض مع ثوابت المملكة المغربية المحددة في دستورها”، يرى البعض الآخر أن استنكار مضامين أي فيلم من حق الرأي العام، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يصل إلى درجة منعه من العرض.
أحمد عصيد، كاتب وناشط حقوقي، قال إن “استنكار هذا الفيلم يعكس قضايا الصراع التاريخي بين السنة والشيعة، حيث رغم الجدع العقدي المشترك بين المعسكرين إلا أن نقط الخلاف تعصف بأية إمكانية للتفاهم أو التقارب بسبب تمسك كل طرف بروايته الدينية”.
وأضاف عصيد، في تصريح لهسبريس، أن “هناك تقديسا مبالغا فيه للصحابة من طرف أهل السنة في مقابل التبخيس المبالغ فيه لهم من قبل الشيعة مع تعظيم شخصية الإمام علي، فما يسميه المغاربة تشويها للحقائق ليس إلا معتقدات الشيعة الذين يعتبرون أيضا أن الرواية السنية تشويها للحقائق الشيعية، والمشكل أن كل طرف يعتبر أن روايته هي الإسلام الحقيقي، وهذه الفتنة هي ما عاشه الأوروبيون قبل قرون بين الكاثوليك والبروتستانت، ولم يوقفوا المذابح الشنيعة والكراهية إلا بفصل الدين عن الدولة واعتباره شأنا شخصيا لا يمكن استعماله في تجييش الناس وتحريضهم ضد بعضهم البعض”.
وتابع الناشط الأمازيغي ذاته بأنه “لا توجد أي وثيقة دينية تعود إلى مرحلة النبوة والصحابة الأوائل، فالرواية الفقهية السنية تقول إن الخليفة الثالث عثمان قد أمر بجمع القرآن في نسخة رسمية وإحراق بقية النسخ المخالفة له، ولكن لا أحد من علماء المخطوطات والوثائق وجد حتى الآن تلك النسخة العثمانية الأصلية، فهي مفقودة، وكل النسخ القديمة التي بقيت إلى عصرنا حتى الآن لا تعود إلى مرحلة البداية بل إلى ما بعد ذلك بعقود طويلة، وهناك نسخة بالقاهرة يزعم المصريون أنها من المصحف العثماني لكن الخط الذي كتبت به والعديد من عناصر التحليل التي يؤكدها علم الكوديكولوجيا تظهر أنه ادعاء غير علمي وبعيد عن الحقيقة، وكذلك الكثير مما هو معروض بالبلدان المجاورة، وخاصة تركيا، الذي يرفض الأتراك إخضاعه للتحليل المختبري لأنه يستعمل في تشجيع السياحة، والكثير من المسلمين يعتقدون بصحته”.
وقال عصيد إن “المغرب بعيد عن الصراع الطائفي الذي تعيشه البلدان المشرقية، والذي يبلغ أحيانا درجة هستيريا جماعية خطيرة”. ورغم ذلك، شدد على أنه “ينبغي تحصين البلاد ليس بمحاربة التشيع أو واضطهاد الشيعة الذين هم أقلية صغيرة جدا، بل من خلال تقوية الخيار الديمقراطي الوطني، وإحقاق المساواة في إطار المواطنة، وإبعاد الدين عن الاستعمالات السياسية، ومواجهة الإيديولوجيات الدينية العنيفة، وتقوية الاقتصاد الوطني ومحاربة الفقر وتحقيق التوازن التنموي بين الجهات، إضافة إلى إتاحة الحريات وربطها بالمسؤوليات في ظل الاحترام المتبادل بين كل مكونات البلد”.