في ما يشبه تنازلا وتراجعا عن خطابها التصعيدي ضد مدريد، هكذا رأى محللون قرار السلطة الجزائرية إقالة عبد الرحمن راوية، وزير المالية، الذي كان مسؤولا عن خطوة تجميد التبادلات البنكية مع إسبانيا.
ويأتي قرار الإقالة بعد تلويح الاتحاد الأوروبي ومدريد بالرد بشكل صارم وحازم على ما أقدم عليه النظام العسكري الجزائري “من ابتزاز سافر انتقاما من إسبانيا على موقفها المساند للمغرب في قضيته الوطنية”.
وأقال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الثلاثاء، عبد الرحمن راوية، وزير المالية، الذي كان قد تم تعيينه في فبراير الماضي، دون تحديد الأسباب.
ويأتي قرار الإقالة في خضم أزمة دبلوماسية مع إسبانيا، بعد أن علقت الجزائر يوم الأربعاء 8 يونيو الجاري معاهدة الصداقة الموقعة بين البلدين منذ 20 عاما.
وبعد ساعات من اعتماد هذا الإجراء، أصدرت الجمعية الجزائرية للبنوك والمؤسسات المالية (Abef) تعميما يعلن تجميد عمليات الخصم المباشر للبنوك اعتبارا من اليوم التالي في العمليات التي تنشأ وتتجه إلى إسبانيا.
وتأتي إقالة راوية بعد أيام من نفي السلطات الجزائرية أمام الاتحاد الأوروبي في مناسبتين، الخميس والسبت، تجميد الأموال المستخدمة في تمويل العمليات مع إسبانيا؛ إلا أن مصادر مطلعة على الوضع تؤكد أن التعميم الصادر عن أرباب عمل البنوك الجزائرية “لا يزال ساري المفعول، ويتم الالتزام به في جميع الجهات”.
محمد الطيار، الخبير في نزاع الصحراء، قال إن “قرار الإقالة يأتي ردا على تحركات الأوروبيين ومدريد للرد على ابتزازات النظام العسكري الذي أنكر بشكل قاطع محاولة ابتزاز اسبانيا”.
وشدد الطيار، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، على أن “بعثة النظام العسكري لدى الاتحاد الأوروبي نفت قيام الحكومة الجزائرية بأي إجراء لوقف المعاملات التجارية مع إسبانيا. وبعد ذلك، أعلن عن إعفاء وزير المالية، ليقدمه كبش فداء وتقرب، من أجل إخماد فتيل الأزمة مع أوروبا”.
وأورد الخبير في نزاع الصحراء أن “قرار إعفاء وزير المالية كشف مرة أخرى أن النظام العسكري الجزائري ليست له أي نظرة إستراتيجية، ولا يملك أي تصور عن كيفية التعامل الدبلوماسي الدولي”.
وتابع المتحدث ذاته قوله: “هذا القرار يؤكد أن الجزائر لا تحظى بأي موثوقية في علاقاتها مع غيرها، وأن قضية الصحراء المغربية تشكل للنظام العسكري قضية حياة أو موت، وقد ربط مصير الشعب الجزائري بها بشكل خطير”.
واعتبر الطيار أن إصدار الجمعية المهنية للبنوك قرارا بـ”وقف الصادرات والواردات من وإلى إسبانيا” وتوجيه القرار المذكور إلى كافة المؤسسات المالية ومدراء البنوك في الجزائر يشكل قرارا صريحا وواضحا من الجزائر يقضي بقطع العلاقات التجارية والاقتصادية مع اسبانيا.
وشدد الخبير المغربي على أن “إسراع تمثيلية الجزائر بأوروبا ينفي ما تم الإقدام عليه مباشرة بعد انعقاد ما يسمى بالمجلس الأعلى للأمن، والإقدام بعدها على إقالة وزير المالية كرد على إسبانيا يترجم تراجع الجزائر عن قرارها لتجنب رد من إسبانيا والاتحاد الأوروبي لن تستطيع تحمل تبعاته”.
وكل هذا، أضاف الطيار، “يعكس حالة التخبط والإفلاس والارتباك التي تتسم بها القرارات العجيبة التي يقدم عليها النظام العسكري الجزائري؛ فاستمراره الغريب في معاداة المغرب ومعاكسته جعله في موضع لا يحسد عليه، معزولا ومتخبطا”.
وختم المتحدث ذاته تصريحه بالقول: “لم تعلن أي دولة أو منظمة مساندتها للنظام العسكري، على إثر التهديد الأوروبي والإسباني بالرد الحازم، وأصبح من المؤكد أن استمرار النظام العسكري في معاكسة المغرب لن يجلب له إلا مزيد من التيه والعار والعزلة”.