يبدو أن نظام العسكر الجزائري قد حشر نفسه في زاوية مغلقة بعدما دخل في مواجهة مع إسبانيا، معتقدا أن هذه الأخيرة سترضخ لابتزازته وستتراجع عن موقفها الأخير من قضية الصحراء المغربية، ليجد نفسه في مواجهة مباشرة مع دول الاتحاد الأوروبي، هذا الأخير الذي هدّد الجزائر بشكل صريح في حال تراجعت عن التزامتها تجاه الجارة الشمالية.
وقد تسببت حماقات حكام الجزائر العسكريين في إدخال البلاد في مواجهة هي في غنى عنها، خصوصا في هذه الظرفية التي يشهد فيها العالم أزمة اقتصادية كبيرة جراء تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، كل هذا لأن الكابرانات يفضلون دعم عصابة البوليساريو وقياداتها على الشعب الجزائري الذي يعاني منذ عقود من الزمن بسبب سياسات الجيش المتحكم في دواليب الأمور بالبلاد.
وتعليقا على قرار الجزائر الأخير بخصوص تعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون مع إسبانيا، قال القيادي السابق بجبهة البوليساريو، المنفي على الأراضي الموريتانية، مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، في حوار قصير أجراه معه موقع “برلمان.كوم“، إن هذا القرار أخرج الجزائر التي حكمتها نخب عسكرية غير مؤهلة لإدارة الدول، من المنطقة الرمادية وكشف عن وجهها الحقيقي باعتبارها طرف مباشر ورئيسي في ملف قضية الصحراء المغربية وفي حله.
س: نشكرك على تواصلك أستاذ مصطفى ولد سيدي مولود، بداية ما تعليقك على قرار النظام الجزائري تعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون مع إسبانيا؟ وبماذا تفسر هذا القرار؟
ج: عندما نسأل عما أنجزته الجزائر بعد 60 عاما من الاستقلال، لا نقف على أي إنجاز مقارنة بالإمكانيات الهائلة التي تتوفر عليها البلاد. وهذا سبب عقدة للسلطات التي تعاقبت على الحكم فيها”.
الجزائر حكمتها نخب عسكرية غير مؤهلة لإدارة الدول، واستمرت إدارة البلد بعقلية عسكرية. وكانت في ستر الله زمن الحرب الباردة وانقسام العالم إلى نصفين شرقي وغربي. فلم تكن الوحيدة التي تحكم بنفس العقلية، واستفادت سلطتها من رصيدها الطاقي الكبير الذي بددته في شراء صورة لها داخل نفس المعسكر. لكن بعد انهيار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي بدأت شعوب دول حلف وارسوا تبحث عن ذاتها وتنمي بلدانها بما يلبي رغبات سكانها وتحولت إلى أنظمة ديمقراطية في المجمل. لكن الجزائر استمرت على نفس النهج ما جعلها تتأخر كثيرا عن ركب الأمم وتصغر صورتها في العالم تدريجيا بسبب سياسات قادتها الخاطئة وفسادهم وإهمالهم تنمية بلدهم.
هكذا وجدت الجزائر نفسها في القرن الواحد والعشرين متأخرة في كل شيء. وبدل الاعتراف بالخطأ والبدء في تصحيح الاختلالات استمر العسكر في تسويق نفسه وأن بلاده قوة ضاربة وأن كل شيء عندهم على ما يرام رغم الاحتجاجات الكبيرة التي عاشها البلد.
نفس العقلية العسكرية التي تدير بها السلطة الحاكمة الأمور الداخلية للجزائر، تريد تطبيقها في الخارج مع الدول في محاولة للتغطية على الفشل في الداخل وفي رسم سياسات متوازنة مع محيطها. وأصبحت الجزائر دولة نشاز في محيطها الإقليمي.
س:هل ستتراجع إسبانيا عن موقفها من قضية الصحراء بسبب الضغوط الجزائرية.
ج: إسبانيا دولة ديمقراطية والقرارات فيها مؤسسة وليست ارتجالية مزاجية كما الأنظمة الشمولية. ويعي الساسة الإسبان مصالح بلدهم جيدا.
وبخصوص موقفهم الجديد من قضية الصحراء المغربية فقد شرحوه بوضوح؛ وهو أن غايتهم منه هو المساهمة الفعالة في حل ينهي النزاع ويحقق تكامل دول المنطقة. وتسعى إسبانيا باعتبارها دولة محورية في المنطقة لتقريب الحل. فالبقاء في نقطة حل توافقي يرضي جميع الأطراف لا يخدم الحل. بل دعم الواقعية هو ما يقرب الحل. وإسبانيا من الدول المتضررة من النزاع على اعتبار علاقاتها الكبيرة مع دولها.
الجزائر غير عادلة في ما تطالب به إسبانيا. فهي بموقفها هذا تطلب من إسبانيا أن تضع المصالح الجزائرية قبل المصالح الإسبانية، ولو غلفتها بعناوين براقة كاحترام الشرعية الدولية.
س: هل سيكون لهذا القرار تأثير على مسار قضية الصحراء المغربية داخل أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن؟
ج: القرار الإسباني له تأثير كبير على مسار الحل، باعتباره يدعم بشكل واضح حلا واقعيا وقابلا للتطبيق. وإسبانيا معروف دورها ومحوريتها في الحل دوليا.
أيضا الموقف الجزائري من إسبانيا يقرب الحل ويساعد في الفهم بأن الجزائر طرف مباشر رئيسي في المشكل. ومن الجيد خروجها هي الأخرى من المنطقة الرمادية والكشف عن وجهها الحقيقي باعتبارها طرف مباشر ورئيسي في المشكل وفي الحل.