قال المفكر المغربي الدكتور إدريس الكنبوري إن الحداثة الغربية اليوم تعيش أزمة فكرية وأخلاقية بعد نهاية السرديات الكبرى التي كانت تصنع النموذج الغربي، وإنها الآن وصلت إلى الباب المسدود وتحولت إلى نوع من العدمية.
وأضاف الباحث المغربي أن الحداثة في الغرب ولدت لقيطة بدون أب ولا أم، فقد أخذت المنهج العقلي من المسلمين والفلسفة من اليونان والقانون من الرومان، ولم تكن فيها مساهمة أوروبية إلا من حيث الجمع بين هذه العناصر الحضارية الغريبة علي أوروبا وتوليفها وصناعة حداثة أوروبية هجينة، ولذلك ولدت الحداثة بدون هوية محددة، مما جعل الفلسفة الأوروبية تعود إلى التراث اليوناني لصناعة ماض لأوروبا، والبحث عن تراث، واستدل بالجدل داخل الاتحاد الأوروبي عام 2005 لدى مناقشة مشروع الدستور الأوروبي، حيث حصلت اختلافات كبيرة بين الدول الأوروبية حول الهوية الأوروبية، الأمر الذي جعلها تبعد هذه النقطة وتكتفي بتعريف الاتحاد الأوروبي بأنه مجرد تجمع اقتصادي تجمع بينه فقط القيم الليبرالية.
وانتقد الكنبوري بشدة ربط الحداثة الغربية بالعلم، وتعريف الحداثة بأنها هي العلم، وقال إن تعريف الحداثة بأنها العلم يجعلنا نقول بأن الصينيين والهنود والمسلمين عرفوا الحداثة قبل الغرب بقرون طويلة، لأنهم عرفوا العلم مبكرا في التاريخ، ولكن الغرب يقول إن الحداثة ولدت معه فقط، مما يعني أنه لا يعترف بالحضارات السابقة عليه وبمساهمتها في صناعة حداثته، ويزعم بأن الحضارة العلمية لم تولد إلا في أوروبا.
وهاجم الكنبوري الفيلسوفين الألمانيين هيغل وهابرماس الذين يقولان إن الحداثة الغربية نشأت مع اكتشاف العالم الجديد في القرن الخامس عشر، متسائلا: كيف نربط نشأة الحداثة بغزو قارة أمريكا وإبادة شعبها والسيطرة على مقدراتها؟ موردا أن الحداثة الغربية نشأت مع الغزو والاستعمار ونهب الشعوب في إطار ما سمي بالكشوفات الجغرافية التي كانت توسعا خارج أوروبا، فقد تزامن غزو أمريكا مع تحالف الكنيسة والدول الأوروبية ضد المسلمين في الأندلس مما أدى إلى سقوط غرناطة في العام نفسه الذي سافر فيه كريستوف كولومبوس إلى أمريكا بدعم من الكنيسة الكاثوليكية.
وقال الكنبوريفي محاضرة تحت عنوان “مشاريع نقد الحداثة الغربية” ألقاها في مدينة برشيد في إطار الأيام الثقافية لاكاديمية أطر الغد؛ إن الفكر الغربي انتهى اليوم ولم يعد قادرا على إبداع سرديات كبرى تجعل الأوروبيين والعالم يثق في النموذج الغربي؛ إذ منذ السبعينات لم تظهر أي مدرسة فلسفية، فقد ظهرت الليبرالية والماركسية والوجودية والظاهراتية والبنيوية في ظروف متزامنة خلال القرن الماضي، لكن منذ خمسة عقود لم تظهر أي فلسفة جديدة، مما يعني أن الغرب انتهي من الناحية الفكرية والفلسفية.
وانتقد الكنبوري في محاضرته ربط الحداثة الغربية بالعقلانية، قائلا إن الحداثة سرعان ما انقلبت على الفكر العقلاني في مشروعها الفلسفي؛ فقد ظهر علم النفس مع سيغموند فرويد الذي قال بأن اللاوعي أو الأنا الأعلى هو الذي يتحكم في الإنسان وليس العقل، وإن الغريزة الجنسية هي المحدد الأساسي للفعل الإنساني، وظهرت الماركسية التي حاربت الإرادة الإنسانية وقالت إن الاقتصاد هو المحدد الأساسي للفعل الإنساني وإن التاريخ يسير بطريقة حتمية، مما يعني أن الإنسان لا يستطيع أن يتدخل في تغيير مسار التاريخ، كما دافع الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر عن الأساطير اليونانية التي هي أساطير وثنية غير واعية، وكل هذه المشروعات الفلسفية ضربت العقلانية وكانت ضد العقل.