في قرى سهل تادلة، يكاد يجمع المزارعون على أن محصولهم لهذا الموسم الفلاحي من الحبوب لن يوفر أرباحا جيدة بسبب ارتفاع التكاليف مقارنة مع مردودية أراضيهم التي تأثرت بشح التساقطات وتراجع حقينة مياه السدود.
حسن التادلي، المزارع من منطقة سهل بني عمير، دأب على تخصيص جزء من أرضه المكتراة منذ ما يزيد عن 15 سنة لزراعة الحبوب.
المزارع الستيني قال، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن هذا الموسم يتسم بضعف الإنتاج مقارنة مع ارتفاع أسعار الأسمدة والأدوية وقلة حصص السقي.
والتادلي واحد من ضمن مجموعة من المزارعين الذين عدّدوا للجريدة “إكراهات الموسم الفلاحي الحالي، الذي عرف فيه المغرب ندرة وشحا على مستوى التساقطات؛ ما أثر على مردوديتهم، خاصة على مستوى إنتاج الحبوب”.
في هذا الإطار، كان محمد صديقي، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، قد أوضح أن إنتاج الحبوب انخفض في المغرب بنسبة 69 في المائة مقارنة مع الموسم الفلاحي الماضي، الذي كان قياسيا على مستوى الإنتاج بـ103 ملايين قنطار.
وفي حديثه لهسبريس، أورد التادلي أن “الهكتار الواحد من زراعة الحبوب يوفر ما بين 3 و6 أطنان للهكتار في الأراضي السقوية، وأن قيمة إنتاج المزارعين من التبن العادي و”البال” تقدر بحوالي 4 آلاف درهم للهكتار الواحد، فيما يرتقب أن تبلغ قيمة هذا الأخير من القمح الصلب حوالي 18 ألف درهم، وحوالي 12 ألف درهم بالنسبة للقمح الطري”.
وقال التادلي إن هكتارا واحدا من زراعة القمح كلفه هذا العام نحو ثمانية آلاف درهم لشراء المحروقات، وما يزيد عن سبعة آلاف درهم للأسمدة والأدوية والحرث، وما يقرب من ألفي درهم للحصاد، كما أن تكلفة كراء الأرض تراوحت ما بين أربعة آلاف درهم وسبعة آلاف درهم، مشيرا إلى أن هذه المصاريف لا تتضمن أجرة الفلاح.
باحتساب التكاليف الأرباح ضئيلة
التادلي لم ينسَ تكلفة البذور وآلة الحصادة والمعاناة التي رافقت الموسم الزراعي الحالي بسبب تراجع مياه الآبار والسدود، مشيرا إلى أن “تكاليف الزيادة في عمق ثقبين مائيين تجاوزت الـ15 ألف درهم، ومع ذلك لم تكن النتيجة مرضية، حيث بلغ سعر الكيلوغرام الواحد من القمح حوالي 7 دراهم وفرينة 4 دراهم”.
وتبعا للمزارع ذاته، فإن “التكاليف التي صرفها مختلف المزارعين بالمقارنة مع الإنتاج تبرز أن الأرباح ستكون خلال هذا الموسم الزراعي ضئيلة جدا”؛ وهو ما يتطلب دعما من الدولة لسداد الديون ومواجهة أزمة الجفاف.
ولمّح مزارعون من المنطقة إلى أنهم، في حال لم تقدم الدولة مساعدات خلال الموسم المقبل بالشكل الكافي للحد من تأثير الجفاف على النشاط الفلاحي، لن يغامروا بزراعة أراضيهم مستقبلا، في ظل الخسارة التي تكبدوها هذا الموسم.
المساحات الزراعية في تقلص
وبإقليم الفقيه بن صالح، شرع مزارعون في إنتاج ما يكفي أسرهم من الحبوب، إذ باتوا يخصصون الجزء الأكبر مما يوفرونه من هذه المادة الأساسية لصناعة الخبز في المنزل، فيما يخزنون الباقي ليكون بذورا لهم خلال الموسم المقبل.
صالح العيادي، وهو من مزارعي المنطقة، قال: “في الأعوام المقبلة، لن يكون هناك فائض في الإنتاج مخصص لمراكز تسويق الحبوب، لأن أغلب المزارعين قلّصوا من مساحة الأراضي المخصصة لزراعة الحبوب في ظل عدم أخذ الدولة باستشارات الفلاح ومطالبه.
وأوضح العيادي أنه في الماضي كان يزرع ما بين 10 هكتارات و15 هكتارا من محصول القمح؛ لكن منذ عامين قلص من المساحة المزروعة، نظرا لارتفاع التكاليف وقلة الأرباح وتراجع الفرشة المائية جراء قلة التساقطات في الأعوام الأخيرة والارتباك الحاصل في تدبير حصص السقي.
وأضاف أنه “في حال استمر الوضع على ما هو عليه، فقد يتوقف عن زراعة الحبوب خلال الموسم المقبل، ويكتفي بزراعة بعض الزراعات الموسمية لضمان لقمة عيش أسرته، مشيرا إلى أن الفلاحة بالمنطقة باتت مهددة بالعطش وأن الأفق ضبابي في ظل بطء الإجراءات الاستباقية للدولة.
وعبّر المزارع عن قلقه بشأن الوضع الفلاحي بسهل تادلة ككل، قائلا: “اليوم جف ضرع تادلة، التي كانت تشكل مصدرا مهما في تأمين الحبوب للدولة، ولم يعد المزارع متفائلا بشأن ضمان قوت أسرته بدل تسويق منتوجه وتوفير أرباح إضافية”.
الحكومة تُخفّف من آثار الجفاف
محمد صديقي، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، كان قد أكد أن “الحكومة وضعت برنامجا استثنائيا للتخفيف من آثار نقص التساقطات المطرية التي يعرفها الموسم الفلاحي الحالي يتمحور حول تخصيص غلاف إضافي للقروض، ومعالجة مديونية الفلاحين، وتمويل الاستثمارات المبتكرة الرامية إلى تجديد الموارد المائية”.
وذكر صديقي أن وزارة الفلاحة تحاول ما أمكن معالجة مديونية الفلاحين وتسهر على دراسة إعادة تصنيف المديونية لاقتراح حلول مثلى وواقعية، موضحا أن الوزارة واعية بضرورة العمل على دعم الفلاحين ومواكبتهم من أجل تشجيعهم على الحفاظ على ديناميكية الإنتاج وتزويد الأسواق بالمنتجات الفلاحية.