في الوقت الذي ينصب فيه النقاش بشأن الاعتقال الاحتياطي حول الجوانب المتعلقة بتحسين حياة الساكنة السجنية، والجوانب الاجتماعية للموضوع، كشف خبير مغربي أن الاعتقال الاحتياطي يكلف خزينة الدولة 100 مليار سنتيم سنويا.
محمد أحدف، أستاذ التعليم العالي بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس مستشار لدى هيئات دولية، قال إن وجود خمسين ألف معتقل احتياطيا في سجون المغرب، يكّبد البلد خسارة تقدر بـ 100 مليار سنتيم سنويا.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن النتيجة التي توصل إليها في إطار عمله مع هيئة الأمم المتحدة، بنيت على أساس أن كل سجين يكلف الدولة ثمانين درهما في اليوم، مقدرا أن تكون التكلفة أكبر.
وتكبّد الجريمة المغربَ خسائر مالية هائلة تصل ملياريْ دولار سنويا، ما يعادل نقطتين من الناتج الداخلي الخام، بحسب المعطيات التي قدمها أحدف، استنادا إلى وثائق الأمم المتحدة ذات الصلة بالموضوع، مشيرا إلى أن المغرب لا يتوفر على معطيات خاصة به بهذا الخصوص.
وانتقد المتحدث بشدة عدم إيلاء الطبقة السياسية في المغرب أهمية لموضوع الخسائر المالية التي تتكبدها المملكة بسبب الجريمة والاعتقال الاحتياطي، متسائلا: “كم من الأموال تهدر دون الوصول إلى إقناع الطبقة السياقة بأن علاج هذا المشكل ليس ترفا بل ضرورة”.
وتقر الحكومة بأن التشخيصات التي أجريت على منظومة العدالة “بينت أن الوضع القائم أصبح بحاجة ماسة لاعتماد نظام العقوبات البديلة”، كما أكد ذلك وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، خلال ندوة علمية حول موضوع بدائل العقوبات والتدابير السالبة للحرية، نظمت بمدينة الرباط الأسبوع الفارط.
وتفيد الإحصائيات الرسمية التي قدمها وزير العدل بأن ما يزيد على 40 في المئة من السجناء محكومون بمدة تقل عن سنتين، حيث شكلت العقوبات الصادرة بسنتين وأقل نسبة 44.97 في المئة، بحسب إحصائيات سنة 2020.
واعتبر أن هذا الأمر “يؤثر على الوضعية داخل المؤسسات السجنية ويحد من المجهودات والتدابير المتخذة من طرف الإدارة العقابية في تنفيذ برامج الإدماج وإعادة التأهيل وترشيد تكلفة الإيواء”، لافتا إلى أن “الممارسات أبانت عن قصور العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة في تحقيق الردع المطلوب والحد من حالات العود إلى الجريمة”.
ولتفادي تكبّد مزيد من الخسائر المالية بسبب الجريمة والاعتقال الاحتياطي، شدد محمد أحدف على أن المغرب مطالب بصياغة نموذجه الخاص لمعالجة هذه الإشكالية، على اعتبار أن لكل بلد وضعيته الخاصة، دون أن يعني ذلك القطيعة مع الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة.
وانتقد المتحدث طريقة تعاطي الطبقة السياسية المغربية مع قضايا الجريمة والوقاية، قائلا: “النخبة السياسية تعتبر أن الاستثمار في محاربة الجريمة مجرد ترف ومضيعة للوقت”.
وتابع: “نحتاج إلى دقة التشخيص للوصول إلى العلاج الذي لا يمكن أن يتحقق في غياب التشخيص العلمي، ونتساءل هل هناك برامج حكومية وقطاعية تنصرف إلى دراسة وتشريح وضعية الجريمة في المغرب؟”، مجيبا: “لا أعتقد أن الأمور تسير على هذا النحو”.
وشدد الخبير المغربي على أن هناك عددا من التجارب التي يمكن أن يستدل بها المغرب لخفض نسبة الجريمة، مثل التجربة الأمريكية “النوافذ المهمشة”، التي انطلقت من مدينة نيويورك وعممت على المدن الأمريكية التي تعرف إجراما منقطع النظير، لافتا إلى أن التجربة “أعطت نتائج باهرة”.
وأوضح أن تجربة “النوافذ المهشمة” تقوم على مبدأ “الذهاب إلى بؤر الجريمة لمعالجة أسبابها هناك قبل وقوعها، عوض أن ننتظر إلى أن تصلنا”، داعيا إلى اعتماد هذه التجربة في المغرب، “ففي ضواحي المدن المغربية والأحياء المهمشة هناك جريمة وهناك آلة إنتاج الجريمة من مخدات وغيرها، ولا يجب أن ننتظر حتى تصلنا”.
من جهة ثانية، انتقد أحدف تصاميم التهيئة الحضرية المعتمدة من طرف مسيري الشأن العام في المدن المغربية، معتبرا أن العشوائية العمرانية تعد من الأسباب الرئيسية لانتشار الجريمة.
وأوضح قائلا: “لقد أثبتت دراسات علمية أن اللون الأخضر مريح ومهدئ للنفس، وبالتالي فإن المناطق الخضراء ليست ترفا، بل ضرورة، والغاية منها ليست فقط إضفاء الجمالية على المدن بل تهذيب النفوس أيضا”.
وأضاف: “من المؤلم جدا أن نرى طريقة وضع تصميم تهيئة المدن، الذي يرهن الكيفية التي سيكون عليها العمران لمدة عشرين سنة. لا يعقل أن تكون المدينة كتلة من المنازل لستة كيلومترات متواصلة، دون وجود فضاءات ومتنفسات، ما يؤدي إلى كثافة سكانية هائلة، ويصعّب حتى مهمة تحرك الأمن بسلاسة”.
وتابع بأن فرنسا انتبهت في ستينات وسبعينات القرن الماضي إلى أن الأحياء التي بُنيت على الطريقة التي توجد عليها أحياء المدن المغربية حاليا تشكل قنابل موقوتة، فهدمتها ووضعت تصميما عمرانيا جديدا.