لم تجد الدولة “العقيمة”، وليس “العميقة”، في الجزائر ما تراهن عليه في حروب الجيل الرابع، أو حروب التقويض من الداخل، التي انخرطت فيها مؤخرا ضد المغرب والمغاربة سوى الاستعانة بـ”مخاتلات وتخرّصات” اليوتيوبرز السعيد بن سديرة!
ولم يجد هذا الأخير ما يعينه في “التكليف بمهمة” (Ordre de Mission) الذي صدر إليه من أصحاب النياشين الفرنسية الذين يحكمون الجزائر خارج قصر المرادية، سوى البحث في الأفلام والتسجيلات الإباحية القديمة عن أشرطة خليعة يمكن توضيبها وتجزيئها وإلصاقها بشكل “صبياني ومبتذل” على أمل نسبتها للمغرب والمغاربة!
بروباغندا الصغار
تتوهم الطغمة العسكرية الحاكمة في الجزائر بأن الحروب غير النمطية تدار بالبروباغندا المفعمة بالكذب والدهان والتخرص، ويعتقد معها كذلك المدعو السعيد بن سديرة أن البروباغندا كلما كانت مثقلة بالتزييف والفبركة ستكون أكثر انتشارا وشيوعا في صفوف السواد الأعظم من الناس.
ولأن السعيد بن سديرة يفترض الجهل في رواد الإعلام البديل، مثل ذلك الجهل المستشري في بني عترته وعشيرته، فقد انبرى يبحث في مواقع الأفلام الإباحية عن شريط قديم يمكن تقطيع مشاهده بشكل تدليسي ونسبتها لمسؤول أمني مغربي. فلم يجد هذا “العميل الفاشل” سوى فيلم جنسي قديم لطبيب مصري، نزع عنه الصوت بالعامية المصرية وقدمه على أنه “مشاهد مسربة وحصرية من مكتب مسؤول مغربي”، ناسيا أو بالأحرى جاهلا أن نقرة بسيطة في محرك البحث عن أفلام الخلاعة تحيلك على الشريط نفسه، وتكشف لك السيدة نفسها بقميصها الأزرق والشخص نفسه صاحب التبان الأبيض، لكن في مصر وليس المغرب، وتكشف لك أيضا أنه مسجل منذ أكثر من 20 سنة وليس وليد اليوم.
ولم تقف الصفاقة والجهل بالسعيد بن سديرة عند هذا الحد، بل أوغل في “تاحيماريت” عندما بث صورة لمكتب يوجد داخل مرفق أمني بالدار البيضاء على أساس أنه مكتب مدير الأمن الموجود بالرباط! بل إنه بلغ منتهى “الصبيانية” عندما اقتطع صورة المكتب المذكور من روبورتاج للتلفزة المغربية عند افتتاح المرفق الأمني بالدار البيضاء وقدمها بلا حياء ولا وجل على أنها “صورة حصرية مسربة من مكتب مشمول بالسرية”، والحال أن هذا المكتب هو جزء من مرفق عمومي مكلف بإنفاذ القوانين وجرى تصويره في عدة نشاطات مؤسساتية.
أكثر من ذلك، من يتمعن جيدا في طريقة “تطويع” السعيد بن سديرة لهذا الفيديو الجنسي القديم، ومحاولة نسبته للمغرب بشكل عبثي، يدرك جيدا أن النظام الجزائري يعيش خارج التاريخ والجغرافيا وخارج المجموعة الشمسية برمتها. فمثل هؤلاء “الهواة” يجهلون أن البروباغندا هي “سلاح” و”حرفة” لا يتقنهما الصغار والرعاع وسفلة الشعوب مثل السعيد بن سديرة ومن يهمسون في جيبه من قوت الجزائريين المتراصين في طوابير الحليب المجفف ولحم الحمير المستورد.
ففي الوقت الذي تواجه فيه دول العالم التحديات المستجدة المرتبطة بالأجيال الجديدة للبروباغندا، من قبيل التزييف العميق المعروف اختصارا بـ “Deep fake”، الذي يكبد الاقتصادات العالمية أكثر من 85 مليار دولار سنويا بسبب تزييف الصوت والصورة في مجالات حساسة، نجد أن الجزائر ما زالت تمتهن بروباغندا الصغار التي لا تصلح اليوم لشيء سوى إمكانية اعتمادها “كدرس أو كتمرين محاكاة للمتدربين الجدد ليأخذوا نظرة مادية وملموسة عن ما معنى الفشل والعبث في الدعاية السمجة”.
السعيد بن سديرة.. وعقدة التبان
يبدو أن عقدة “التبان”، أو السروال الداخلي، التي طالما ارتبطت بقائد الجيش الجزائري سعيد شنقريحة بسبب تبوله اللاإرادي، هي التي أطبقت على خيال السعيدة بن سديرة ومعه دهاقنة الاستعلام الداخلي والخارجي في الجارة الشرقية الجزائر. والدليل على ذلك أنهم اعتمدوا “التبان” الأبيض الذي كان يرتديه الطبيب المصري بطل فيديوهات الجنس في بداية الألفية الثالثة كوسيلة إثبات وحيدة لنسبة هذا الشريط للمغرب!
ولأن الجهل والبلادة لا حدود لهما، فقد ذهب السعيد بن سديرة بعيدا في “أَلْسِهِ وتَخَرُّصِهِ” عندما تعمّد بث مشاهد الطبيب المصري التي تظهر فقط سرواله الداخلي الأبيض من جهة الظهر، دون الكشف عن ملامح وجهه، مع التعليق على ذلك شفاهية والادعاء بأن الأمر يتعلق “بمسؤول مغربي”. وهنا يظهر لنا بجلاء كيف يصنع بعض الجزائريين جهلهم وكيف يتوهمون أن المغاربة ربما هم مثلهم لا يفكرون في شيء سوى في القمصان الداخلية للكابرانات وقواد الجيش.
وفي الأخير، لا بد من تذكير السعيد بن سديرة بأن الكبار يبقون كبارا رغم حملات البروباغندا الفاشلة، والصغار يزدادون إسفافا وابتدالا رغم تضخم الأنا والنرجسية المفرطة. ومرد هذا الحديث هو أن فيديو الطبيب المصري الذي استعمله هذا العميل الفاشل وادعى أنه حصري ومسرب من المكاتب الأمنية المغربية، سبق استخدامه في مناسبات سابقة في دول عربية عدة لتلطيخ سمعة فنانات عربيات في الأردن ولبنان والعراق والمغرب…الخ.
وفي جميع هذه المحاولات البئيسة كان يتم تكذيب الدعاية المغرضة بإشهار الفيديو الحقيقي! لكن الجديد في دعاية السعيد بن سديرة هو أنه لم يراهن على استغلال صورة السيدة التي كانت ترتدي القميص الأزرق، مثلما فعل سابقوه، وإنما راهن على استغلال صورة الطبيب المصري صاحب التبان الأبيض! وهنا تظهر عقدة الجزائريين أكثر.