عن جدوى الشعر وقوة الخيال وحتمية الاختلاف، دار حوار، السبت، جمع الشاعر صلاح بوسريف والكاتب جمال بوطيب، ضمن سلسلة المحاورات والمحاضرات التي تضرب مواعد يومية لزوار المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط.
“لا وجود إلا بالشعر”
أكد صلاح بوسريف، الشاعر والكاتب المغربي، أن “الشعر اليوم هو ضرورة وجود”، مستحضرا مقولة مارتن هايدغر حول كون الشعر تعبيرا عن وجود الإنسان على الأرض.
وأضاف شارحا: “الإنسان هو الذي يصنع قدره، هو الذي يصنع تاريخه، هو الذي يؤسس لوجوده، وهو الذي يغض البصر بشكل كلي عن السماء، لأن السماء هي شيء آخر مرتبط بلحظة غيبية نحن لا نتملكها”.
وتطرق بوسريف إلى محاولة الأديان “طمس الشعر ومنعه”؛ قائلا: “حين نعود إلى الأديان سنجد أنها وعت منذ البداية بأن الشعر شرط وجود فتحاملت على الشعر إما بتهميشه أو برفضه”.
لكن، في مقابل هذا: “أصر الشاعر على أن يكون ذلك الإله الصغير الذي يمشي على الأرض، يسمع كائناته بما يمتلكه من خيال ومن قدرة على إبداع الأفكار وأيضا على خلق إيقاعات جديدة تضاهي ما نعيشه ونحسه من إيقاع في الحياة”.
واستدرك بوسريف: “لا ينبغي أن نفهم الشعر ما نقرأه فقط في الدواوين والكتب، بل الشعر هو الطريقة التي نتأمل بها وجودنا، وهو نوع الخيال الذي نؤسس به هذا الوجود، وهو المفارقة التي نوجد بها على الأرض في اختلافنا عن الآخرين، وفي اختلاف الآخرين عنا أيضا؛ لأننا حين نميل إلى الاتفاق فآنذاك ينتفي الوجود وينتفي الشعر”.
حتمية الاختلاف
في سياق حديثه عن الشعر كتجلٍّ للاختلاف الذي هو أساس الوجود، شدد صلاح بوسريف على أن “الاختلاف هو شرط من شروط المعرفة ومن شروط الخيال”. ثم أردف: “إذا كان كل واحد منا له بصمته الخاصة التي لا تشبه بصمات الآخرين فكيف يمكن في الشعر أن نتشابه؟ أن نكتب بنفس اللغة؟ بنفس الخيال؟ وكذلك بنفس البناء؟”.
وحول البناء في العمل الشعري، أكد المتحدث أن “الشعر اليوم ليس هو اللغة؛ لأن اللغة متاحة للجميع. الشعر هو البناء، هو المعمار. والشاعر اليوم معماري، يبني نصه الشعري أو عمله الشعري وفق هندسة معمارية، إما تكون على شكل نص أو كتاب”.
وأضاف الشاعر في صورة مجازية أن “الكتاب الشعري هو عبارة عن مدينة بعمارات تختلف في شكلها، وفي انسيابيتها، وفي تعقّدها، وفي طريقة التشابك التي تحدث بين الأزقة والشوارع والدروب والحدائق والفضاءات. لذلك، قلت إن الشاعر اليوم هو مهندس معماري”.
متى يكون الشعر قصيدة؟
تعبيرا عن مؤاخذاته حول الخلط بين المفاهيم المرتبطة بالعمل الشعري، شدد الشاعر والناقد على أنه “منذ أكثر من عقدين من الزمن مال شخصيا إلى مفهوم العمل الشعري أو إلى النص. ولذلك لا أطمئن لمفهوم القصيدة”.
ثم زاد: “أقبل مفهوم القصيدة بالنسبة للزجل؛ على اعتبار أن الزجل خطاب وليس نصا. في حين أن الشعر ليس خطابا. الشعر نص. لأنه مكتوب على صفحة ومبني بطريقة هندسية معمارية. هذه الطريقة المعمارية هي دال من دوال الشعر. بمعنى لا يمكن أن نعتبر الشعر الذي يكتب اليوم هو نفس الشعر الذي نجده في مفهوم القصيدة”.
ووضح بوسريف أن “كلمة قصيدة كما يشرحها ابن منظور، صاحب “لسان العرب”، هي شطر العود إلى شطرين”. قبل أن يذكر أن ما يكتب اليوم من أعمال شعرية لا يعتمد نظام الشطرين. وهو موضوع كتاب مرتقب له ينتقد فيه “هذا الخلط في المفهوم؛ بين أن نسمي العمل الشعري قصيدة وخطابا، في حين أنه نص. مفهوم الخطاب ومفهوم النص لا يمكن أن يلتقيا”.
الشعر والتنظير.. من يتقدم الآخر؟
أكد الشاعر بوسريف أن “الشعر عندي أسبق من التنظير. التنظير هو ما أستنبطه من التجربة الشعرية نفسها”. وأضاف موضحا: “حين شرعت أكتب في الجانب النظري كنت أنطلق من تجربتي في تقاطعها مع تجارب أخرى. فأنا لم أكتب نظرية وطبقتها على الشعر، لأن هذا سيكون خللا في الكتابة؛ فالشعر ينبغي أن يكون نصا قبل أن يكون نظرية”.
وحول علاقة الشعر بالنقد، شدد بوسريف على أن “الشعر يحتاج إلى أن يبتعد عنه النقد، ويحتاج إلى خلوة قد تستغرق سنوات كي نستطيع أن نكتب ما نرغب فيه لا ما يوجهنا النقد إليه”. وشرح مستنكرا التوجيه الذي يمارسه العمل النقدي على الشعراء، إذ حين “يصدر الشاعر ديوانه الأول ويكون ديوانا ممتازا وجيدا يأتي النقد فيعيد توجيه الشاعر في اتجاه آخر ربما يحرفه عن مساره”.
وأشار الكاتب إلى أن “الشعر اليوم بعيد عن النقد، منزو في مغارة، يشتغل في صمت، لا يقرأه عدد كبير من الناس، إلا من أدركوا بأن شكل الوجود هو الشعر. فهم الذين يقرؤون الشعر باعتبار أنه تعبير عن وجودنا على الأرض. والوجود على الأرض له أكثر من شكل، له أكثر من معنى”.
أصل السرد
استنكر صلاح بوسريف كون الكثير من النقاد والدارسين والباحثين “يدّعون أن السرد مرتبط بالرواية، وأن الشعراء أخذوا السرد من الرواية”.
واسترسل المتحدث: “هذا غلط”؛ لأن أول عمل شعري مكتوب وجد على الأرض وهو ملحمة جلجاميش. و”هي ملحمة فيها السرد والحوار. كلها سرد وهي شعر. بمعنى أن الأصل في السرد هو الشعر. وليس الشعر هو الذي اقتحم السرد وأدخله في نسيجه”.
وأردف الشاعر في هذا السياق أنه كتب الرواية، وأنها موجودة في أعماله الشعرية. موضحا: “أعتبر أنه ربما كتبت الرواية بطريقة مختلفة عن الروائيين، لكن من داخل الشعر”.
وأضاف بوسريف في معرض حديثه عن الرواية أنها “موضة تتحكم فيها الجوائز، وسوق النشر، والبيع والشراء”، مشيرا إلى أن “أي ناشر تقدم له عملا تحت مسمى رواية سينشره، بينما عندما تضع أمامه ديوانا شعريا يصعب نشره”، وهذا ينطبق أيضا على كتب القصة القصيرة والمسرح “التي يتفاداها الناشرون العرب”.