“من الصعب جدا أن يكون لنا في الوسط الإعلامي اليوم نموذج راق ومتألق مثلما كان يجسد ذلك سي عبد الله”؛ الكلام هنا للأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، نبيل بنعبد الله، وهو يرثي قيدوم الصحافيين عبد الله الستوكي.
كان لرحيل الصحافي الستوكي، يوم أمس الثلاثاء، عن عمر يناهز 76 سنة، بعد صراع مرير مع المرض، وقع كبير على المقربين منه وأصدقائه داخل حزب التقدم والاشتراكية (الحزب الشيوعي المغربي سابقا).
يقول نبيل بنعبد الله وهو متأثر بفراق واحد من رفاقه المقربين: “أشعر بحزن كبير وبألم عميق وسي عبد الله، كما كنت أناديه، يغادرنا إلى دار البقاء رحمة الله عليه”، قبل أن يضيف: “عبد الله السكوتي رجل الرقة في الكتابة وفي أسلوب الكتابة، وفي علاقاته الإنسانية وفي طيبوبته، وفي وفائه للصداقة، وفي طريقة تعبيره عن الاختلاف”.
موقد شمعة الإعلام
سنة 1946، رأى عبد الله الستوكي النور في مدينة مراكش، بالضبط برياض الزيتون، التي ستكون فيها انطلاقته صوب حياة مليئة بالمسارات الحافلة، ختمها بمواجهة مع المرض.
المراكشي الستوكي سيبدأ مساره في عالم صاحبة الجلالة في موسكو، قلب الاتحاد السوفييتي آنذاك، عندما تلقى تكوينا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي بجانب رفاقه في الحزب الشيوعي المغربي.
عن هذه الفترة، يتحدث نبيل بنعبد الله، في تصريح لجريدة هسبريس، قائلا: “الرفيق عبد الله، كما كنت أتوجه إليه تارة، تكوّن جزئيا وفي فترة أساسية من عمره في صفوف الحزب الشيوعي المغربي، وقضى بعض السنوات بموسكو بالمدرسة المركزية للحزب الشيوعي، وهو الأمر الذي احتفظ من خلاله بعدد من آليات التحليل والمقاربة بالنسبة لقضايا أساسية في التاريخ المعاصر للمغرب”.
لم يمنع التكوين اليساري لهذا الصحافي المراكشي من جعله يخالط مذاهب سياسية أخرى، فالرجل استغل هذا التكوين وصارت له علاقات مع أحزاب أخرى من بوابة الصحافة.
فقد ساهم الستوكي في تأسيس مجموعة من المنابر الإعلامية التابعة لبعض الهيئات السياسية، على غرار “رسالة الأمة” لحزب الاتحاد الدستوري، قبل أن يؤسس سنة 1978 جريدة “الميثاق” بعد خروج حزب التجمع الوطني للأحرار إلى الوجود.
من اشتغل مع الرجل في المؤسسات الإعلامية خلال مساره، يتحدث عن كون هذا الصحافي العصامي دافع عن الصحافيين وعن أجورهم.
فقد كان الستوكي يؤكد على ضرورة دفع أجور أكبر للصحافيين العاملين معه، ليكون الجسم الصحافي بذلك مدينا له في تحسين الوضعية المادية للمشتغلين بهذه المهنة.
الذين يعرفون “الرفيق عبد الله” كما يحب “شيوعيو المغرب” المناداة على الصحافي السكوتي، يؤكدون المسار المتميز للرجل في كل المحطات التي مر منها، سواء “أنفاس” أو “وكالة المغرب العربي للأنباء”، وغيرها.
من الصحافة إلى النشر
تقلد الصحافي عبد الله الستوكي، خلال هذا المسار، مجموعة من المناصب التي ساهمت في تكوينه، غير أنه ظل لصيقا بالصحافة والكتابة والنشر.
يقول رفيقه وزير الاتصال السابق نبيل بنعبد الله: “عاش سي عبد الله رحمة الله عليه متألقا شامخا، وحتى في السنوات الأخيرة من حياته وهو طريح الفراش ظل رفيقه الأول هو الكتاب، حيث كان يقرأ ثم يقرأ ثم يقرأ، ومن ثم يتوفر على ثقافة عامة قل نظيرها”.
فالرجل، إلى جانب كونه ترأس جمعية الصحافة الفرنكوفونية، تقلد منصبا بديوان الوزير الأول أحمد عصمان، مؤسس حزب التجمع الوطني للأحرار، وبعدها بديوان وزير الدولة في الإعلام أحمد الطيبي بنهيمة، ثم مع وزير الثقافة محمد علال سي ناصر.
لم يقتصر على ذلك فحسب، فالرجل ولشدة ولعه بالكتابة والنشر، وحتى يخرج رجل الفكر الذي بداخله، أسس دارا للنشر، كانت بابا للمبدعين والكتاب المغاربة قصد نشر كتاباتهم.
يقول نبيل بنعبد الله وهو يرثي هذه القامة التي رحلت عنا: “كان فريدا من نوعه، ذا مسار يكاد يكون عصاميا، تشبث بالأخلاق والقيم والمبادئ إلى نهاية حياته، وحب هذا الوطن الذي يجمعنا”.
وسيوارى جثمان الراحل الستوكي بمقبرة الشهداء بالعاصمة الرباط، ظهر غد الأربعاء، ويتوقع أن يحضر جنازته عدد من الشخصيات السياسية والإعلامية والثقافية التي كانت تربطه بها علاقة طوال مساره.