مع اشتداد موجة الحر المتصاعدة للأسبوع الثالث تواليا، وبعد إطلاق وزارة الماء والتجهيز حملة توعية المواطنين بضرورة الحد من تبذير المياه، نظرا لوضعية “الإجهاد المائي الذي تواجهه المملكة، وبناء على قرارات حكومية”، يبدو أن المغاربة باتوا “شبه ملزَمين” فيما تبقى من الصيف أن يعيشوا فترة “تأقلم وتعايش مع حالة الطوارئ المائية” التي تم إقرارها بالمغرب منذ مطلع يوليوز.
وفي وقت تتناقص الموارد المائية بشكل مهول، حسب إفادات الوزير الوصي على قطاع الماء في أكثر من مداخلة له بالبرلمان، يسجل منحنى استهلاك المياه بين المستخدِمين ارتفاعا وفق معطيات رسمية، تؤكد أنه “أمام هذا الوضع، من الضروري، اليوم، أن ندعو إلى التوقف عن ممارسة أي شكل من أشكال تبذير الماء، حفاظا على الموارد الحالية ومن أجل ضمان توزيع عادل للمياه لفائدة الجميع”.
ومنذ نهاية الأسبوع الماضي، ستضطر ساكنة حواضر وأقاليم عديدة، خاصة الجديدة وسيدي بنور ومراكش وتازة، إلى “التعايش” مع خفض صبيب المياه الصالحة للشرب، بعد إعلان الوكالة المستقلة الجماعية لتوزيع الماء والكهرباء بكل من الجديدة وسيدي بنور (راديج)، ونظيرتها بتازة، “اللجوء الاضطراري” لخفض صبيب المياه الصالحة للشرب، ابتداء من 25 يوليوز 2022.
وبرر بلاغ للوكالة إجراءاتها بـ”حالة الطوارئ المائية التي أعلنتها المملكة، والناجمة عن التغيرات المناخية وتراجع التساقطات المطرية التي أثرت بشكل ملحوظ على الفرشة المائية وحقينة السدود، وأمام ما يرافق هذه الوضعية من ارتفاع في الاستهلاك”، مبرزة أنها تندرج في إطار “الجهود المبذولة من أجل الحفاظ على الثروة المائية، وأيضا تفعيلا لمقتضيات دورية وزير الداخلية رقم 12312 الصادرة بتاريخ 19 يوليوز 2022، المتعلقة بتدبير الموارد المائية”.
ودعت وكالات توزيع الماء بعدد من الجماعات زبائنها وجميع المواطنين إلى حماية الموارد المائية وتثمينها، والالتزام بالاستهلاك المعقلن والممارسات الفضلى في مجال حكامة الموارد المائية.
“استنفار ترابي”
جدّية “تدهور الوضع المائي بالمغرب” تأكدت من خلال استنفار وزارة الداخلية جميع ممثليها في الإدارة الترابية لمواجهة “أزمة الماء”، في ظل تراجع حقينة السدود والجفاف، إلى جانب تراجع منسوب الفرشة المائية؛ داعية في دورية لها الولاة والعمال، في ظل “الوضعية الصعبة”، إلى التقيد بالتدابير التي سبق الإعلان عنها في مذكرة سابقة، وعقد اجتماعات مستعجلة “بهدف تنفيذ الإجراءات اللازمة للإدارة الرشيدة للموارد المائية وضمان إمداد السكان بمياه الشرب”.
وأشارت دورية وزير الداخلية، بوضوح، إلى ضرورة “تطبيق القيود على تدفق وصبيب المياه الموزعة على مستخدميها”، مع العمل على منع استعمال المياه التقليدية، مياه الشرب السطحية أو المياه الجوفية، في عملية سقي المساحات الخضراء وملاعب الغولف؛ كما شددت على ضرورة “حظر السحب غير القانوني للمياه من الآبار والمجاري المائية، إلى جانب حظر غسل الشوارع والأماكن العامة بمياه الشرب، ومنع استعمال هذه المياه لغسل الآليات”.
50 مدينة “مهددة بالعطش”!
المهندس البيئي المغربي الخبير في قضايا المناخ والماء محمد بنعبو أورد أنه “منذ يناير الماضي تواترت تنبؤات عن أن تعاني أكثر من خمسين مدينة مغربية من العطش”، قائلا في حديث مع هسبريس: “ها نحن نعيش السيناريو نفسه”.
وتابع بنعبو، الذي اعتبر موضوع ندرة المياه لا يقل أهمية عن اندلاع الحرائق من جديد، بأن “مدينة وجدة هي الأولى التي أعلنت انقطاعا متكررا للتزود بالماء الصالح للشرب”، مضيفا: “اليوم تنضاف جلّ مدن جهة بني ملال خنيفرة التي تُزوّد من سدي المسيرة وبين الويدان، دون نسيان الضغط الذي يعرفه سد سيدي محمد بن عبد الله، الذي يزود جهة الرباط سلا القنيطرة وجهة الدار البيضاء سطات”، قبل أن يلفت إلى إعلان سلطات البيضاء أيضا تقليل صبيب المياه ليلا، تبِعتها سلطات الجديدة وسيدي بنور، وقبلها برشيد والفقيه بنصالح.
بدوره، نسج مصطفى العيسات، رئيس جمعية “البساط البيئي الأخضر”، على المنوال نفسه، مؤكدا أن المجتمع المدني البيئي “كان مِن السبّاقين للتحذير من الوصول إلى أزمة مياه تحدق بالمغرب”، في ظل تغيرات مناخية “أضحت تؤثر بشكل كبير على شمال إفريقيا خلال السنوات الأخيرة”.
وخلص الجمعوي ذاته، في تصريح لهسبريس، إلى أنه “كان من الممكن تفادي هذا السيناريو لو تم التنبؤ والتخطيط المسبق والتعامل بجدية مع تحذيرات الخبراء العالميين، وكذا من خلال التعاطي الإيجابي معها في برامج حكومية آنية تراعي سياقات الأزمة وتتنبأ بها في وقتها”.