تعد مناطق جهة درعة تافيلالت (الجنوب الشرقي للمغرب) واحدة من أكثر جهات المملكة التي تعاني شح المياه وطنيا، والأفقر من حيث الموارد والتي تواجه أزمة خانقة في هذا الإطار، لأسباب عديدة؛ منها قلة التساقطات المطرية، واستنزاف المياه الجوفية، وارتفاع درجات الحرارة.
وتشير مجموعة من المعطيات التي حصلت عليها جريدة هسبريس الإلكترونية من مسؤولين بقطاعات الفلاحة والماء والبيئة إلى أن تزايد الطلب على المياه في مناطق درعة تافيلالت بالخصوص في فصل الصيف راجع إلى ارتفاع درجات الحرارة واستقبال المنطقة لأبنائها المهاجرين والمسافرين وتنظيم الأعراس، مؤكدين أن ذلك يساهم في رفع الاستهلاك للفرد من هذه المادة الحيوية.
وفي هذا السياق، أكد جمال عبد المولى، فاعل جمعوي ومهتم بالمجال المائي في جهة درعة تافيلالت، أن هذه الجهة تعتبر من الجهات الأكثر تضررا بفصل قلة التساقطات المطرية والإفراط في استعمال المياه الجوفية، مضيفا أن المغرب في حاجة إلى اعتماد سياسة مائية ناجعة من أجل ضمان الأمن المائي والتنمية المستدامة.
وأوضح الجمعوي ذاته، في تصريح لهسبريس، أن اعتماد المغرب سياسة مائية ناجعة من شأنه تحقيق التنمية المستدامة والمندمجة للموارد المائية، ومن شأنه أيضا أن يأخذ بعين الاعتبار التحديات والحاجيات الآنية والمرتقبة وكذا التأثيرات التي يمكن أن تنجم عن الاحترار المناخي، وفق تعبيره.
العطش
بتاريخ الأربعاء 20 يوليوز الجاري، بلغت الحقينة اليومية للسدود الخمسة بجهة درعة تافيلالت 250.5 ملايين متر مكعب، من أصل مليار و481 مليون متر مكعب، حيث بلغت نسبة الانخفاض بالسدود الخمسة ذاتها ما مجموعها مليار و230 مليون متر مكعب.
وحسب المعطيات التي وفرتها مصادر مسؤولة بالإدارة الجهوية لوزارة التجهيز والماء بدرعة تافيلالت، فإن عدد سكان جهة درعة تافيلالت، وفق الإحصاء العام الأخير، بلغ مليونا و635 ألف نسمة، مشيرا إلى أن نسبة الماء الموجودة حاليا بالسدود لكل فرد من أصل سكان هذه الجهة يبلغ فقط أقل من 153 لترا للفرد الواحد.
وأوضح المصدر ذاته، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته للعموم، في تصريح لهسبريس، أن هذه الأرقام هي دليل على خطورة الوضع المائي بجهة درعة تافيلالت وأن شبح العطش أصبح يحوم فوق رؤوس الساكنة، مشيرا إلى أن الحكومة أصبحت ملزمة أكثر من أي وقت مضى البحث عن حلول وبدائل لإنقاذ البشرية من الموت البطيء “العطش”.
في المقابل، أكدت الزهرة هموشي، فاعلة جمعوية من إقليم الرشيدية، أن شبح العطش هو حقيقة لا يمكن إنكارها ويمكن القول إن هذا الشبح يهدد البشرية خاصة في هذا الجزء من ربوع المملكة، ملتمسة تدخلا عاجلا من الحكومة لطمأنة المواطنين أنهم في أمان ولا خوف عليهم من موت بدون ماء.
وأضافت هموشي، في تصريح للجريدة، أن درعة تافيلالت بأقاليمها الخمسة تعتبر من الجهات الأولى التي تعاني أزمة خانقة وحقيقية في مادة الماء سواء الصالحة للشرب أو الفلاحية، مؤكدة أن تدخلات الدولة (القطاعات المعنية) إلى حدود الآن لم تستطع حل الإشكالية.
طلب متزايد
في ظل ارتفاع درجات الحرارة التي تصل في بعض أقاليم جهة درعة تافيلالت في النهار إلى 52 درجة وفي الليل 46 درجات، تم تسجيل ارتفاع متزايد على الماء الصالح للشرب، إذ إن نسبة الارتفاع حسب بعض المهتمين بلغت ما بين 20 و30 في المائة، مؤكدين أن ذلك يزيد من مخاوف المواطنين والسلطات من نضوب الآبار التي تعتبر المصدر الرئيسي لتزويد السكان بهذه المادة الحيوية.
وبالإضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة، فإن تنظيم الأعراس في فصل الصيف والحفلات يزيد من صعوبة توفير الماء الصالح للشرب بشكل منتظم، إذ في غالب الأحيان يتم استعمال صهاريج متنقلة من أجل جلب قطرة ماء تروي بها الأسر عطش المدعوين إلى الأعراس والحفلات.
وأجمع عدد من رؤساء الجمعيات المكلفة بتدبير قطاع الماء بالعديد من القرى بالجنوب الشرقي للمغرب على أن فصل الصيف يعتبر بالنسبة لها أصعب فصل في السنة، إذ يتطلب مضاعفة الجهود وتنظيم توزيع الماء بشكل ديمقراطي وسليم، مؤكدين أن الدواوير التي يتم تزويدها بالماء الصالح للشرب من طرف الجمعيات أحسن من تلك التي تتكلف الجماعات الترابية وقطاع الماء بنفسه بتزويدها؛ لأن الجمعيات تقوم بالمستحيل من أجل إيصال هذه المادة إلى الساكنة، ولو تطلب الأمر حفر آبار وثقوب جديدة عكس الجماعات وقطاع الماء.
تدخل ملكي
في وقت ترتفع فيه مطالب المواطنين بجهة درعة تافيلالت الرامية إلى إيجاد حلول سريعة لأزمة الماء الصالح للشرب، أكد عبد الله أوطالب، فاعل جمعوي مهتم بقطاع الماء بإقليم ميدلت، أن الجهة في حاجة إلى تنزيل برنامج استعجالي توفر له الدولة اعتمادات كبيرة من أجل إنهاء هذه الأزمة التي أصبحت تهدد البشر والحجر.
وأكد المتحدث ذاته، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن هذه الجهة تنتظر تدخل الملك محمد السادس من أجل تنزيل مجموعة من الأوراش الكبرى على غرار باقي جهات المملكة، خاصة الموجودة في الشريط الصحراء المغربية، مشددا على أن “الجميع هنا في الجهة ينتظرون زيارة ملكية لتحريك المياه الراكدة وإخراج برامج تنموية مهيكلة إلى الوجود”.
وأضاف الفاعل الجمعوي المهتم بقطاع الماء بإقليم ميدلت أن لسان حال أبناء جهة درعة تافيلالت بدون استثناء يقول: “أملنا في الملك بعد الله لرفع جميع أشكال التهميش والإقصاء التنموي في هذه الجهة”، موضحا أن “موضوع المياه الصالحة للشرب يجب أن ينال اهتمام ورعاية خاصة من طرف حكومة صاحب الجلالة، لإنقاذ أرواح المواطنين المهددين بشبح العطش”.