إذا كانت بداية فصل الصيف تعني عند كثير من المغاربة فترة راحة قصد الاستجمام والاصطياف، فإنها عند آخرين تشكل بداية مسلسل من المتاعب والرعب؛ لاسيما لدى ساكنة الجنوب الشرقي للمغرب، والمناطق النائية والجبلية، بسبب ظهور أنواع مختلفة من الزواحف السامة التي تهدد حياتهم وحياة أطفالهم. ويعتبر فصل الصيف لدى أهالي الجنوب الشرقي موسما تشتد فيه هجمات الزواحف من الأفاعي والثعابين والعقارب السامة.
ويكثر مع حلول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة خروج الزواحف السامة من جحورها بحثا عن الظلال والفضاءات الباردة، بالمنازل والحقول وشقوق الجدران، خاصة في فترة الليل؛ ليظل الخطر متجددا يؤرق بال سكان المناطق شبه الصحراوية والجبلية، بسبب هذه الزواحف السامة التي تتسبب سنويا في إصابة المئات من المواطنين، وتصل حد الوفيات في بعض الأحيان.
وفي ظل موجة حرارة غير مسبوقة تشهدها أغلب جهات المملكة، منذ بداية شهر يوليوز الجاري، تخطى خلالها المحرار أكثر من 45 درجة مئوية في بعض المناطق الحضرية كما القروية على السواء، يعود إلى الواجهة ملف الوفيات والإصابات الناتجة عن لسعات العقارب والزواحف السامة بشكل عام، مما يتحتم اتخاذ إجراءات مسؤولة وانتهاج الوقاية من طرف المواطنين.
آخر الأرقام الواردة من إقليم أزيلال سجلت سبع لسعات للعقارب وثلاثا للنحل وأربع لدغات للزواحف (من 7 إلى 12 يوليوز الجاري)، مما دفع فعاليات مدنية إلى “التنبيه إلى خطورة الوضع على صحة وسلامة المواطنين، لاسيما الأطفال منهم”، مشيرة إلى أن “مستعجلات المستشفى الإقليمي بأزيلال استقبلت خلال مدة تقل عن أسبوع حوالي 10 حالات للسعات العقارب والزواحف والحشرات السامة”.
وفي هذا الصدد أطلقت مصالح وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، ككل سنة، حملتها الوطنية لمحاربة لسعات العقارب والتسممات الناتجة عنها، التي يشرف عليها بشكل مباشر المركز الوطني لمحاربة التسمم واليقظة الدوائية، وكذا مصالح قسم التواصل والإعلام عبر بوابة “صحتي”، التي بدأت في تعميم منشورات توعوية شارحة على منصاتها التواصلية الرقمية، تدعو المواطنين عبرها إلى الوقاية، مع توضيح سبل الحماية وكيفية التعامل عند وقوع اللسعة.
الدكتورة غزلان العوفير، طبيبة اختصاصية في علاج لسعات العقارب، ومكلفة ببرنامج بالمركز الوطني لمحاربة التسمم التابع لوزارة الصحة، قالت إن “الاستراتيجية الوطنية لمكافحة لسعات العقارب ولدغات الأفاعي التي تم اعتمادها منذ 2001 مكّنت من خفض عدد الوفيات من 200 حالة تقريبا إلى ما دون الخمسين حالة بالمغرب سنويا”، مضيفة أن “فئة الأطفال هي التي تظل الأكثر عرضة لخطر الوفاة بعد الإصابة بنسبة تصل 90 في المائة من مجموع المصابين”.
وترتكز الاستراتيجية المذكورة، حسب إفادة العوفير لجريدة هسبريس، على خمسة محاور؛ يظل أبرزها تكوين مهنيّي الصحة وتوحيد منهجية وبروتوكولات العلاج، الذي جاء نتيجة دراسات ومشاورات مع خبراء مغاربة ودوليين، كما تم اعتماد نظام معلوماتي أتاح إحصاء معطيات إحصائية تخص لسعات العقارب (الجهات الأكثر تضررا، النسب المئوية والفئات المصابة وخصائص عيشها)، داعية إلى “توحيد الجهود بين مختلف القطاعات الوزارية المعنية بالتدخل”.
وكشفت الطبيبة المكلفة ببرنامج مكافحة تسممات العقارب أن فترة جائحة “كورونا” عرفت انخفاضا ملموسا في عدد حالات الإصابة بلسعات العقارب والزواحف إلى حوالي 16 ألف حالة سنويا بعد أن كانت 25 ألفا قبل الجائحة، مشيرة إلى أن “حملات للتوعية تُنظم سنويا على صعيد الجهات الأكثر خطرا وضررا، وبعضها في المدارس بشراكة مع وزارة التربية لأن فئة الأطفال أقل من 15 عاما هي التي تذهب ضحية اللسعات السامة”.
وختمت المتحدثة تصريحها بدعوة المواطنين إلى “عدم اللجوء إلى اعتماد طرق علاج تقليدية، وحمل المصاب باللسعة إلى أقرب مركز صحي مـن أجـل القيام بالإسعافات الأولية ووضع المصاب بتسمم في أحسـن الظـروف للوصول إلى أقرب مركز استشفائي، مع الإسراع بنقـل الأطفال مباشرة إلى أقرب مركز استشفائي قصد العلاج في قسم الإنعاش المكثف وولوجهم للعلاج”.
يشار إلى أن وزارة الصحة دعت في منشوراتها التواصلية ساكنة القرى والجبال والصحاري إلى اعتماد وسائل الوقاية من اللسعة، مشددة على ضرورة “ارتداء أحذية وملابس واقية ولو في فصل الصيف، فحص الأحذية، الملابس والفراش قبل استعمالها مع عدم إدخال الأيادي في الحفر، والحذر أثناء تحريك أو نقل الأحجار، الأثاث، الأخشاب أو الأعشاب، وعدم الجلوس في الأماكن المعشوشبة وبجانب الأكوام الصخرية”.