بشراكة جمعت رئاسة النيابة العامة المغربية بـ”جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية”، يلتئم مسؤولون وخبراء قضائيون وأمنيون من 12 دولة عربية بالعاصمة الرباط، طيلة يومَين، في إطار أشغال الندوة العلمية الرابعة المنظمة حول موضوع “العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية”.
وافتُتحت فعاليات هذا اللقاء بجلسة افتتاحية حضرت خلالها شخصيات رفيعة ووازنة من مجالات القضاء، والأمن وحقوق الإنسان من المغرب وخارجه؛ يتقدّمُهم وزير العدل المغربي، عبد اللطيف وهبي، ورئيس جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الدكتور عبد الله البنيان، ورئيس النيابة العامة بالمغرب، والأمين العام للمجلس الأعلى للسلطة القضائية مُمثل الرئيس الأول لمحكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، فضلا عن وسيط المملكة، وممثلين عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والإدارة العامة للأمن الوطني، والمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، وقيادة الدرك الملكي، وممثلة منظمة الأمم المتحدة للطفولة بالمغرب (يونيسف)، بالإضافة إلى ممثل مكتب الأمم المتحدة المعني بالجريمة والمخدرات.
وأمام حضور يصل إلى 100 مشارك من السلك القضائي المغربي وقطاعات معنية بحقل العدالة، وَ40 مشاركاً ينتمون إلى دول عربية هي: السعودية، الأردن، السودان، تونس، مصر، البحرين، الكويت، عُمان وفلسطين، ألقى وزير العدل عبد اللطيف وهبي، كلمة بالمناسبة اعتبر خلالها أن “مشروع قانون العقوبات البديلة أصبح يشكل بالنسبة للمغرب رهانا أساسيا حَرصت المملكة على تسريع وتيرة تنزيله على أرض الواقع باهتمام بالغ، عبر البحث عن المقاربة والشروط الكفيلة لضمان نجاحه بتشاور مع كافة الجهات المعنية”.
وأضاف وهبي في كلمته أن مشروع القانون، الذي يجمع الأحكام القانونية الموضوعية والإجرائية إلى جانب الأحكام التنظيمية، “تمت إحالته على الأمانة العامة للحكومة والمجلس الوطني لحقوق الإنسان وكافة المؤسسات الحكومية والقضائية والأمنية والهيئات المعنية، بهدف التدارس وإبداء الرأي، قبل البدء في مساره التشريعي بالبرلمان”.
ونص المشروع، يردف وزير العدل، على “خيارات متعددة للعقوبات البديلة، تتراوح بين العمل لأجل المنفعة العامة والمراقبة الإلكترونية، والغرامة اليومية وتدابير علاجية وتأهيلية أخرى لتقييد ممارسة بعض الحقوق بما يتماشى وخصوصية المجتمع المغربي؛ وذلك وفق ضوابط قانونية محددة تراعي، من جهة، السلطة التقديرية للقاضي في اعتمادها والإشراف على تنفيذها باستثناء بعض الجنح الخطيرة”، لافتا إلى “وضع آليات للتتبع ومواكبة تنفيذها مركزيا من خلال وكالة ستُحدَث لتدبير الممتلكات المحجوزة والمصادرة ستتولى التنسيق لإعداد برامج العمل”.
وفي تصريح لهسبريس على هامش أشغال الندوة، قال وهبي إن “قانون العقوبات البديلة، سيكون بعد اعتماده خطوة إيجابية في الحد من اكتظاظ السجون، والحد من نظرية الاعتقال والسجن إلى البحث عن حلول اجتماعية وإنسانية لفائدة السراح وخدمة الأعمال الاجتماعية”.
من جانبه، أشاد مولاي الحسن الداكي، رئيس النيابة العامة بالمملكة المغربية، بـ”مشروع قانون العقوبات البديلة الذي أعدّته وزارة العدل بالتشاور مع الهيئات المعنية”، معتبراً أنها ندوة تأتي في سياق هام مرتبط بورش “إصلاح العدالة” الذي انخرطت فيه المملكة منذ سنوات، كما تندرج ضمن “انفتاح النيابة العامة على محيطها الدولي والإقليمي؛ وهي مناسبة جمعتنا بإخواننا في جامعة نايف للعلوم الأمنية”، مشيراً إلى أنه “مِن المواضيع المهمة التي تحيل مناقشتها على مقاربات دستورية وحقوقية وقضائية تتصل بمسار دولي يهدف إلى أنْسَنة العقوبات الجنائية وتعزيز حقوق الإنسان”.
وتابع الداكي، في معرض كلمته، بأن خيار البدائل بالنسبة للأطفال “أكثر إلحاحاً، ويضعُنا أمام رهان تحقيق المصلحة والإصلاح والتأهيل والإدماج دون اللجوء إلى سلب الحرية، مع اعتماد آليات معترف بها دولياً كالعدالة التصالحية ونظام تحويل العقوبة وبدائل أخرى أثبتت فعاليتها، كالعمل لفائدة المنفعة العامة أو التدابير الرقابية الخاصة بالأحداث”.
كما تشكّل الندوة، بحسب المسؤول ذاته في تصريح لهسبريس، “مناسبة تتطرق لمختلف التجارب المعتمدة في الدول العربية وخارجها، بحضور فعاليات وخبراء عرب ومغاربة وأوروبيين، في ضوء مشروع تعديل المسطرة الجنائية في ما يخص العقوبات البديلة”، مؤكداً أنها تظل فرصة لـ”إغناء النقاش حول مشروع القانون المذكور وتقييم التجارب الدولية والأخذ بالممارسات الفضلى”.
“لم يَغِب موضوع بدائل العقوبات السالبة للحرية بشكل عام عن النقاش الوطني ذي الصلة بإصلاح منظومة العدالة وآلياتها بالمغرب”، يخلص رئيس النيابة العامة، لافتاً إلى أن التشخيصات الدقيقة خلال الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة أفضَتْ إلى ترسيخ القناعة بتبني إصلاح جذري عميق يستشرف ويواكب التوجهات الحديثة للسياسة الجنائية، الرامية في جزء مهم منها، حسب الداكي، إلى “تنويع رد الفعل العقابي تجاه الجريمة، من خلال سن خيارات تشريعية بديلة ومتنوعة، تمكن من تفادي وتجاوز سلب الحرية واعتماد تدابير بديلة، سواء قبل المحاكمة أو خلال النطق بالعقوبة أو في مرحلة تنفيذها”.
يشار إلى أن هذه الندوة العلمية، التي يؤطرها خبراء مغاربة وعرب وأوروبيون، ستعزز قدرات المشاركين، لاسيما القضاة العاملون في قضاء التحقيق وقضاء الأحداث والنيابة العامة، حول الممارسة الفضلى في مجال بدائل العقوبات السالبة للحرية، لأجل التخفيف من حالات الاعتقال الاحتياطي في صفوف الراشدين والأحداث وتطوير أداء منظومة العدالة الجنائية الوطنية؛ كما تتحدد أهدافها في “بيان مكانة بدائل العقوبات السالبة للحرية في منظور القانون الجنائي المقارن والعلوم الإنسانية ذات الصلة؛ مع توضيح الممارسات الحسنة في مجال إعمال العقوبات السالبة للحرية في قوانين الدول العربية، وشرح الجهود والتطبيقات القضائية العربية لبدائل العقوبات السالبة للحرية، إضافة إلى دراسة أثر بدائل التدابير السالبة للحرية على ظاهرتي الاكتظاظ السجني والعود إلى الجريمة”؛ في حين تتمخض أشغالها المستمرة لغاية 30 يونيو عن مقترحات لتطوير وتنظيم بدائل العقوبات السالبة للحرية في قوانين ومؤسسات العدالة الجنائية.