يعد السوسيولوجي فلُوريان تْسِيمِينْ من أبرز علماء الاجتماع الألمان الدارسين لتاريخ الفكر الإسلامي بشمال إفريقيا والشرق الأوسط، بالنظر إلى اهتماماته البحثية المتعلقة بالأديان؛ ما جعله يتعمق في تحليل “الإشكاليات الإسلامية” بالمنطقة.
في هذا الحوار الذي أجرته هسبريس مع تْسِيمِينْ، وهو أستاذ جامعي متخصص في الدراسات الإسلامية بالعديد من الجامعات الألمانية، يتطرق عالم الاجتماع إلى مواضيع الكراهية والتشدد الديني في الخطاب السياسي الأوروبي، وكذا ثنائية “التقليد والحداثة” في الخطاب الإسلامي.
وإليكم نص الحوار:
نلاحظ تزايدا مطردا لخطاب الكراهية في بعض أنماط الخطاب السياسي الأوروبي إزاء الديانات، خاصة حينما يتصل بوجود المسلمين. هل العامل الثقافي وحده قادر على تفسير “التوتر الطائفي” بأوروبا أم هناك متغيرات فاعلة في تمدده؟
للأسف، توجد فرق وأحزاب سياسية، وأيضا منابر إعلامية، تستفيد من الكراهية ضد المسلمين. من المعروف بأن الكراهية ضد المسلمين تكون أقوى بمناطق لا يسكن بها المسلمون، أو يقطن بها القليل منهم؛ بينما لا نجد الكثير من خطاب الكراهية بالمناطق التي يتعرف فيها الناس على المسلمين كجيران، وليس فقط من خلال التلفزيون والخطابات السياسية.
على الرغم من التحولات القيمية المُصاحبة لتغير الأجيال المسلمة المقيمة بأوروبا، فإن التشدد الديني ما زال منتشرا بعدد من المناطق التي تقيم فيها الجاليات المسلمة. كيف يتأثر هؤلاء المهاجرون بالفكر الأصولي؟
الأفكار الأصولية موجودة في أشكال مختلفة، سواء عبر الأنترنيت أو الكتب أو بعض المساجد المحلية أو العلاقات الشخصية؛ فالتعريف عن هذه الأفكار سهل جدا، لكن المهم هو من يقبل هذه الأفكار. وفي هذا الصدد، نرى أن كثيرا من الشباب الذين يقبلونها لا يتوفرون على التربية والتعليم الديني القوي. وتنضاف إليها أسباب اجتماعية ونفسية تؤثر على قبول تلك الأفكار من عدمها.
الخطاب الإسلامي المعاصر تهيمن عليه ثنائية دائمة تتعلق بـ”الأصالة والمعاصرة” و”التراث والتجديد”، ما يزيد من حدة الصراعات الإيديولوجية بالمنطقة. في رأيك، ما السبيل إلى تجديد الخطاب الديني؟
باعتباري باحثا في علم الاجتماع ومؤرخا غير مسلم، أظن أن هذا السؤال يجب أن يناقشه المسلمون لكي يجدوا السبيل الأفضل؛ لكن، يمكنني أن أقول، على الأقل، بأن هذا السبيل في الحقيقة يتشكل من سبل مختلفة، تتحكم فيها عوامل سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية، وغيرها.
لهذه الشروط في الحقيقة أيضا دور مهم في الإصلاح والتجديد نفسه؛ بمعنى أن الأفكار الدينية جزء من المجتمع، فالتجديد الديني متعلق بالتجديد الاجتماعي. ومن المعروف أن القوى المحافظة الدينية المضادة للتجديد لها علاقة مع القوى المجتمعية والسياسية المحافظة. لا بد من التفكير في التجديد الديني والتجديد الاجتماعي في الوقت نفسه.
ما زالت العلاقة بين الإسلام والعلمانية محل سجال عام في المجتمعات الإسلامية المحافظة، حيث يتم ربط العلمانية بمفاهيم ثقافية مغايرة. كيف يمكن التفكير في علمانية جديدة؟
من المهم ألا نرى العلمانية كقيمة إيجابية بنفسها، أو كإيديولوجية سلبية مضادة للدين؛ بل من الأفضل أن نعتبرها كإجراءات تهدف إلى الحفاظ على استقلالية الأديان، ومنع تدخل الدولة في أمورها الداخلية، وبالتالي، حماية الدولة من تدخل الأديان في شؤونها في الوقت نفسه.
المقصد المنشود من كل ذلك هو الحفاظ على حقوق الإنسان وحريات المواطنين على السواء. هذا المفهوم للعلمانية يدافع عنه بعض المفكرين العرب والمسلمين، مثل راشد الغنوشي.
وليس من المهم إن سمينا الدولة التي بنيت على أساس هذا المفهوم دولة علمانية أو دولة مدنية، كما قال الأستاذ ساري حنفي. المسألة المهمة لا تتجسد في الأسماء، ولكن في المضامين. الطريق لإصلاح المجتمع لا يبدأ بالتركيز على الأسماء والشعارات؛ بل بالتركيز على الحقوق والحريات والعيش الكريم لكل المواطنين.
تختلف مقاربة علماء الاجتماع العرب والأوروبيين للدين الإسلامي حسب الأدوات المعرفية التحليلية والمدركات الثقافية. انطلاقا من ممارستك الأكاديمية، كيف ترى أوجه التشابه والاختلاف بين علم الاجتماع الديني العربي والأوروبي؟
على المستوى المؤسساتي، علم الاجتماع الديني ما زال ضعيفا في الوطن العربي كما يقول علماء الاجتماع العرب أنفسهم، ما مرده إلى أسباب متعددة (سياسية، ثقافية، اقتصادية)؛ لكن فهم الدين من الزاوية الاجتماعية يوجد في الساحة الأكاديمية، وحتى العمومية، في بلدان عربية، لكنه يكون غالبا تحت أسماء وإطارات مختلفة.
من بين الاختلافات الرئيسة أن بعض علماء الاجتماع في السياق العربي الإسلامي يطورون رؤيتهم للدين في إطار إسلامي، أو على الأقل يحددون أنهم لا يدرسون الدين بنفسه، وهو حقيقة إلهية؛ فالبحث فيها يرجع إلى علماء الدين والفقهاء، بينما يدرسون التدين؛ أي الجانب الاجتماعي للدين فقط.
طبعا، يوجد فرق آخر يتعلق بدراسة الدين وفقا للمناهج والنظريات التي يتداولها علماء الاجتماع الأوروبيين. ومن المهم ألا ننسى أن الرؤية الاجتماعية بأوروبا نشأت وتطورت أيضا في إطار ديني، وما زالت هناك نقاشات حول الرؤية العلمانية إن كانت ملزمة أو مانعة لفهم الدين بشكل علمي.
ومن البديهي وجود اختلافات ليس فقط في هذا الباب، بل تتعلق بأسئلة كثيرة في أوساط علماء الاجتماع الأوروبيين أنفسهم، على أساس وجود العديد من النقاط المشتركة بين علماء الاجتماع العرب والأوروبيين.