بينما كانت بعض المدن تبدو شبه فارغة بمناسبة عيد الأضحى، خصوصا الكبرى منها، فإن تداعيات ارتفاع أسعار المحروقات وغلاء الأضاحي جعلت كثيرين لا يغادرونها، مفضلين قضاء العيد فيها.
وإذا كانت بعض الأسر، التي توجد في وضعية صعبة، لم تتمكن من اقتناء أضحية العيد، بالنظر إلى غلاء أسعارها هذه السنة بشكل يفوق قدرتها الشرائية، فإن أخرى تسابقت على الفنادق لقضاء هذه المناسبة فيها بسبب العروض المقدمة.
قضاء العيد في المنازل
على مستوى المدن الكبرى، لا تزال حركة السير والجولان مستمرة، بعدما كانت شوارعها تتحول في اليوم الذي يسبق عيد الأضحى إلى فضاءات فارغة من المواطنين.
مدينة الدار البيضاء، التي تعد القطب الاقتصادي للمملكة، لم تعرف هذه السنة، كما عاينت ذلك جريدة هسبريس الإلكترونية، نزوحا لسكانها صوب مناطقهم التي يتحدرون منها على غرار السنوات الماضية.
فقد بدت حركة السير في الشوارع والأحياء بالدار البيضاء عادية، إذ لا يزال معظمها يشهد ازدحاما ملحوظا.
ويظهر من خلال هذه الحركية أن الكثير من المواطنين، الذين كانوا يغادرون المدينة في هذه المناسبة الدينية، لم يقوموا بزيارة عائلاتهم في المدن والقرى.
ويرجع هذا الركود في حركية النقل، كما أكد ذلك نقابيون في قطاع النقل الطرقي، إلى غلاء الأسعار الذي جعل الكثيرين يعزفون عن السفر لضعف قدرتهم على أداء مبالغ باهظة من أجل ذلك.
وبالعودة إلى التقرير الأخير للمندوبية السامية للتخطيط، فإن أسرا مغربية صرحت بتدهور مستوى المعيشة خلال الـ12 شهرا السابقة، حيث ناهز معدل الأسر المصرحة بذلك 79,2 في المائة، فيما اعتبرت 6,14 في المائة من الأسر أن مستوى معيشتها كان مستقراً، وقال 2,6 في المائة إنه كان متحسناً.
ووفق المصدر نفسه، فإن مؤشر ثقة الأسر وصل خلال الفصل الثاني من السنة الجارية أدنى مستوى له على الإطلاق.
الأضحية تثقل الكاهل
خلال هذه الأيام شهدت أسعار بيع الأضاحي ارتفاعا كبيرا، أرهق جيوب المواطنين الذين لم يستطيعوا شراءها في كثير من المناطق.
وأثارت أسعار البيع في الكثير من الأسواق غضبا كبيرا في صفوف المواطنين، سيما أنها فاقت التوقعات، وسجلت فيها زيادة بما يناهز ألف درهم عن الأسعار المعتادة.
واشتكى مواطنون في مختلف الأسواق من ارتفاع أسعار البيع، الشيء الذي قض مضجعهم وأنهك جيوبهم، مطالبين الحكومة، ممثلة في وزارة الفلاحة، بالتدخل لإنقاذهم من “الشناقة” الذين ألهبوا الأسعار.
ووصل هذا الغلاء إلى البرلمان، من خلال مطالبة النواب وزارة الفلاحة بالكشف عن التدابير التي تم اتخاذها من أجل وقف هذه الزيادات الكبيرة.
ورغم حديث الوزارة عن وفرة الأغنام والماعز، فإن بعض الأسواق، على غرار طنجة، غابت فيها رؤوس الأضاحي المعدة للبيع بهذه المناسبة.
وتحدث مواطنون عن كون السومة الكرائية التي حددتها جماعة طنجة بسوق الحرارين كانت وراء غلاء الأسعار وغياب الأضاحي بسبب عزوف البائعين.
العيد بالفنادق
وإذا كان الكثير من المواطنين يشتكون من غلاء الأسعار ولم يستطيعوا اقتناء الأضحية، فإن آخرين فضلوا قضاء هذه المناسبة في الفنادق ومراكز التخييم بعيدا عن أماكن سكناهم.
وأكد مصدر من أحد الفنادق بمدينة مراكش أن نسبة الملء هذه الأيام شبه كاملة، حيث عرفت إقبالا كبيرا من طرف الزبناء تزامنا مع عيد الأضحى.
وأوضح مصدر هسبريس أن بعض الأسر اختارت قضاء العيد في الوحدات الفندقية، قائلا: “هناك إقبال على الفنادق نظرا لما تم تقديمه من عروض بالنسبة للعائلات التي ترغب بقضاء العيد”، وهي خطوة، يضيف المصدر ذاته، “تهدف من خلالها المؤسسات الفندقية إلى جعل الزبناء يقضون أجواء العيد والاستمتاع بالمسابح والتنشيط في الوقت نفسه”.
وأكد أن “فنادق معينة بمراكش امتلأت عن آخرها بفضل هذه العروض، وهناك فنادق بلغت فيها نسبة الحجز 50 بالمائة فيما يتعلق بحجوزات العيد”.
ووفق مصادر بوحدات فندقية، فإن المناطق الشاطئية تعرف إقبالا على الفنادق هذه الأيام. في المقابل لا تستفيد مناطق أخرى معروفة بارتفاع درجات الحرارة، باستثناء مراكش، من هذه الانتعاشة السياحية تزامنا مع عطلة عيد الأضحى.
مراجعة أسعار الضريبة
يرى أستاذ المالية العامة بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، جواد لعسري، أن الأوضاع الاجتماعية للمواطنين بسبب ما تشهده المواد الأولية من غلاء دفعت الكثير من المواطنين إلى قضاء العيد في مدنهم بدلا من الانتقال صوب وجهات أخرى.
وأوضح أستاذ المالية العامة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن غلاء المواد الأولية أثر على معيشة المواطنين، وهو ما أشار إليه أيضا تقرير المندوبية السامية للتخطيط، الذي أفاد بأن الأسر المغربية صرحت بتدهور معيشتها خلال هذه السنة.
وأكد لعسري أن ما شهدته أسعار بيع الأضاحي من غلاء جراء تدخل الوسطاء عمق معاناة المواطنين، الذين وجدوا أنفسهم يؤدون أسعارا تفوق ما دأبوا على أدائه.
وأضاف أن شريحة اجتماعية واسعة تعول على مراجعة أجور المستخدمين والموظفين بشكل مباشر أو غير مباشر، عبر مراجعة أسعار الضريبة على الدخل من خلال مشروع قانون مالية سنة 2023.