في هذا الحوار مع جريدة هسبريس، يسلط وزير الصحة والحماية الاجتماعية، خالد آيت الطالب، الضوء على مشروع القانون الإطار رقم 06.22 المتعلق بالمنظومة الصحية الوطنية الذي صادق عليه المجلس الوزاري برئاسة الملك محمد السادس الأربعاء 14 يوليوز الجاري.
واعتبر آيت الطالب أن المشروع الجديد سيخلق ثورة في قطاع الصحة، وسيكون بمثابة تجسيد للإرادة الملكية على أرض الواقع.
كما يسلط الحوار الضوء على مرتكزات المشروع الجديد، وكذلك الأدوار التي ستقوم بها الوكالات الجديدة المستقلة التي سيتم إحداثها بموجب هذا المشروع.
من جهة أخرى، يتطرق الحوار لملف تعميم التغطية الصحية، والتحديات التي تواجهه.
ما السياق الذي يأتي فيه مشروع القانون الإطار المتعلق بالمنظومة الصحية الذي صادق عليه المجلس الوزاري برئاسة الملك محمد السادس؟
أشكركم بداية على الاستضافة، أولا لا بد أن نكون مسرورين اليوم ومفتخرين بإعداد مشروع هذا القانون، الذي سيخلق ثورة في قطاع الصحة، وسيكون بمثابة تجسيد للإرادة الملكية السامية على أرض الواقع.
لقد حرص صاحب الجلالة منذ سنة 2018 في عدة خطب على إعطاء تعليماته من أجل إعادة النظر بطريقة جذرية في المنظومة الصحية، وقرن ذلك بالحماية الاجتماعية، ولا سيما التغطية الصحية؛ إذ لا يمكن الحديث عن التغطية الصحية دون إحداث ثورة حقيقية في المنظومة الصحية التي أبانت عن محدوديتها ونقائصها، وهو ما استدعى إحداث قطيعة مع الماضي عبر إعداد هذا المشروع الجديد الذي يقوم على أربع دعامات، وهي دعامات جد مهمة ستمكن في مرحلة ما من التغلب على المشاكل التي نعيشها اليوم.
ما المستجدات التي يحملها هذا المشروع لفائدة المواطنين؟
أولا، يجب أن نعرف أن حكامة قطاع الصحة حاليا غير ملائمة مع التطور الذي يعيشه قطاع الصحة على الصعيد الدولي، سواء على المستوى التكنولوجي أو على مستوى الخدمات العلاجية.
من جهة أخرى، يجب أن تتسم السياسة الصحية بالاستمرارية على المدى المتوسط والمدى الطويل، وهو ما يستدعي إيجاد ضمانات تحقق هذه الاستمرارية.
وفي هذا الإطار، يأتي التنصيص على إحداث الهيئة العليا للصحة باعتبارها مؤسسة عمومية تتمتع بالاستقلال المعنوي والمالي، ستكون بمثابة الضامن لاستمرارية السياسة الصحية، وهي التي ستقوم بتقنين التأمين الإجباري عن المرض وتقييم السياسات العمومية الصحية، وتحديد معايير إنشاء المؤسسات الصحية، كما ستتوفر على مجلس علمي يمكنه تقديم توصيات لمواجهة الجوائح والأوبئة.
والمؤكد أن المواطن المغربي سيستفيد من جميع الدعامات التي يقوم عليها مشروع القانون الإطار.
بموجب هذا المشروع سيتم إحداث وكالة الأدوية والمنتجات الصحية، ما الذي ستقوم به هذه الوكالة؟
نحن نعرف أن السياسة الدوائية الحالية عندنا متجاوزة في الوقت الذي نسعى لتحقيق السيادة الصحية والسيادة الدوائية، وهذا لن يتم دون التوفر على مؤسسة تتمتع بالاستقلالية المالية والمعنوية، مما سيمكنها من لعب أدوار أكبر؛ إذ ستشرف على تحديد أسعار الأدوية وتشجيع الصناعة الدوائية المحلية والأدوية الجنيسة، وذلك من أجل تخفيض كلفة العلاجات، خاصة أن المواطن في حاجة إلى تخفيض هذه الكلفة، كما أن الهيئات التي تشرف على التأمين الإجباري عن المرض في حاجة إلى ذلك من أجل ضمان الديمومة والتمويل.
ما العلاقة بين هذه الوكالة ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية؟
ستكون تحت وصاية وزارة الصحة، لكنها تتمتع بالاستقلالية المالية والمعنوية.
المشروع نص كذلك على إحداث وكالة الدم ومشتقاته، هل ستحل هذه الوكالة إشكالية نقص مخزون الدم في مراكز تحاقن الدم؟
إن إحداث هذه الوكالة يأتي استنادا إلى عدد من التقارير ولجان المراقبة التي حددت الإكراهات التي يعرفها تدبير الدم على أرض الواقع، حيث تبين أن هذه الإكراهات تتجلى في الحكامة أولا، بينما ستساعد الوكالة على تجاوز التعقيدات المسطرية والعراقيل الإدارية، حيث سيتميز عملها بنجاعة أكثر في تشجيع التبرع بالدم، وهو ما سيحل بشكل كبير معضلة الدم في المغرب إن شاء الله.
ما الخطوط العريضة لمشروع قانون الوظيفة الصحية؟
لقد قلت سابقا إن المنظومة الصحية ستعرف ثورة، ومن هنا يأتي مشروع قانون الوظيفة الصحية، وذلك استحضارا لخصوصية القطاع والعاملين فيه.
وسيتضمن هذا المشروع تحفيزات جديدة لمهنيي قطاع الصحة من أجل تحقيق مردودية أكبر ونجاعة أكبر، وهو ما سيمكن الذين يشتغلون أكثر من الحصول على تحفيزات مادية أكثر.
كما يأتي هذا المشروع لتشجيع القطاع العمومي، فضلا عن تضمنه مقتضيات أخرى تتعلق بالحركية وساعات العمل، وعما قريب سنفتح حوارا مع الشركاء من أجل إخراج قانون ملائم لمهنيي الصحة.
أين وصل مشروع الاستعانة بالأطباء الأجانب؟
مشروع قانون الوظيفة الصحية يتضمن جانبا مهما يتعلق بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، وجانب آخر يتعلق بالتعاقد مع الخبرات الأجنبية والمغربية التي تريد الاستقرار بالمغرب.
إن الذي يحول دون عودة الكفاءات المغربية في المجال الصحي إلى المغرب، هو عدم جاذبية القطاع، فضلا عن المعيقات القانونية التي تم تجاوزها، ونحن اليوم بصدد خلق الأجواء المناسبة من أجل الاستعانة بالخبرات الأجنبية والمغربية في الخارج.
ألا تتخوفون من الانعكاسات السلبية لتخفيض سنوات تكوين الأطباء؟
أنا لست متخوفا، لأن عددا من الدول المقارنة لا تتجاوز مدة تكوين الأطباء فيها ست سنوات، خاصة أن التكوين الطبي يعرف اليوم تطورا تكنولوجيا، وهو ما من شأنه تقليص عدد سنوات التكوين.
نحن نعرف اليوم أن هناك خصاصا جد مهول على صعيد الموارد البشرية، فحينما نتحدث عن خصاص يقدر بـ32 ألف طبيب و65 ألف ممرض، يجب أن نجد حلولا، وهذه الحلول تستدعي الملاءمة بين الكم والكيف عبر تقليص سنوات التكوين مع الحفاظ على جودته باعتماد التكنولوجيا.
هل سيضمن هذا المشروع تحقيق العدالة المجالية؟
من أجل ذلك يأتي هذا الإصلاح الذي يعتمد مقاربة ترابية وجهوية، ومن هنا يأتي إحداث المجموعات الصحية الترابية التي ستعتمد برامج طبية جهوية، بما يضمن العدالة المجالية عبر تحديد حاجيات المجال الحضري والمجال القروي.
إن كل جهة ستشتغل وفقا لحاجياتها، كما سيتم عقد شراكات بين القطاع العام والقطاع الخاص في إطار الجهة، فضلا عن ملاءمة التكوين مع حاجيات الجهة.
كما أن استثمارات القطاع الخاص ستراعي حاجيات الجهات، ومن هنا لا بد من مدة زمنية من أجل تنزيل هذا المشروع.
هل سيسمح لأطباء القطاع الخاص بالاشتغال في القطاع العام؟
المجموعات الصحية الترابية هي المخول لها تدبير قطاع الصحة على صعيد الجهات، ويمكنها أن تتعاقد مع أطباء القطاع الخاص، كما يمكنها شراء خدمات من القطاع الخاص، وذلك من أجل تقريب الخدمات من المواطنين.
أين وصل تنزيل مشروع الحماية الاجتماعية؟
الحمد لله، فقد استطعنا توفير الإطار القانوني من أجل استفادة الأشخاص غير الأجراء من الحماية الاجتماعية، واليوم نشتغل لتعبئة هؤلاء الأشخاص من أجل الانخراط والمساهمة للاستفادة من هذه الخدمات.
اليوم، انخرط العمال غير الأجراء في منظومة الحماية الاجتماعية، لكن 47 في المائة منهم فقط من يؤدون المساهمة.
إن مساهمة الأشخاص غير الأجراء ستمكنهم من الاستفادة، فضلا عن ذوي الحقوق، أي إن عدد المستفيدين سيصل إلى 11 مليون مواطن ومواطنة.
متى يمكن للحاملين بطاقة “راميد” الاستفادة من التغطية الصحية؟
إن حاملي بطاقة “راميد” يستفيدون حاليا من العلاجات، وقريبا سيتم تحويلهم إلى نظام التأمين الإجباري عن المرض دون إلغاء حقهم من الاستفادة من خدمات المستشفيات العمومية مجانا.
ومن هنا، يمكن للأشخاص المعوزين الاستفادة من خدمات القطاع الخاص مقابل استرجاع الجزء الأكبر من مبالغ العلاج، علما أن الدولة تتحمل تكلفة اشتراكهم في نظام التأمين الإجباري عن المرض.
ما أهداف المراكز الصحية التي دشنتموها مؤخرا؟
هذا الأمر يأتي ضمن برنامج لتقريب الخدمات وتحديد مسلك العلاجات، لأنه لا يمكن لمن يتوفر على التغطية الصحية أن يتوجه إلى أي مركز، بل ستصبح بوابة الصحة هي مراكز الرعاية الصحية الأولية، وهو ما يسمح بالمرونة في التكفل بالعلاج.
ومن هنا يأتي تدشين هذه المراكز وتزويدها بالمنظومة الصحية الرقمية، حيث إن كل مريض يدخل تلك المراكز تمنح له بطاقة إلكترونية تتضمن جميع المعلومات الطبية الخاصة به.
ما أثر الرقمنة على الخدمات الصحية؟
نحن اليوم متأخرون على صعيد الرقمنة، علما أنها هي التي ستمكننا من ضبط المنظومة الصحية برمتها، والتوفر على جميع المؤشرات الصحية، بحيث ستمكننا من معرفة حجم جميع الأمراض ومدى انتشارها، كما ستسهل تنقل المرضى من منشأة صحية إلى أخرى. كما ستمكننا الرقمنة من التجرد من الأوراق، وهو ما سيضمن شفافية المعاملات.
من جهة أخرى، ستتم رقمنة فوترة العلاجات، وهو ما سيمكننا من أخذ فكرة عن تكلفة العلاجات، مما سيحقق النجاعة في المستقبل.
هل خضع مشروع القانون الإطار للتشاور مع المهنيين؟
من الضروري أن يخضع قانون الوظيفة الصحية للتشاور مع الفرقاء الاجتماعيين، وقد شرعنا في إطلاق هذه المشاورات. والأهم من هذا كله، أننا يجب أن نشجع القطاع العمومي باعتباره الضامن لاستمرارية الحماية الاجتماعية، وأقصد بذلك التأمين الاجباري عن المرض.
وفي هذا الصدد، ستعمل الهيئة المدبرة على ضمان التوازن المالي لهذا النظام، وهو ما يستدعي التوفر على أدوية بأسعار معقولة، وهذا لن يتم بدون رقمنة.