سرعة في الإيقاع وتوزيع موسيقي جديد يتماشى مع متطلبات الجيل الجديد.. طريق سلكه العديد من الفنانين الشباب لإعادة إحياء أغان تراثية، وهو ما قسم النقاد والموسيقيين حول ظاهرة تجديد الأغاني، إذ منهم من يراها خطوة تعيد رونق الأغنية القديمة، فيما اعتبرها آخرون تشويها للتراث الغنائي المغربي.
العيطة في مختبر الجاز
“خربوشة” واحدة من الأغاني التراثية التي استطاعت من خلالها الفنانة الشابة سكينة فحصي اختراق أذواق الجمهور المعاصر، فتجربتها الغنائية المقتبسة من تراث العيطة واختراق الأغنية الجديدة، بتحولاتها وجمالياتها، قادتها إلى ثورة غنائية.
هذه الأغنية التي اشتهرت بها سكينة، والتي تتغنى بالمرأة الثائرة بكلماتها على سلطة القايد، اخترقت وجدان المغاربة منذ منتصف القرن العشرين على غرار مختلف “العيوط”، غير أنّ طريقة أدائها من لدن هذه الفنانة الشابة وانفتاحها على أنواع موسيقية معاصرة، مثل الجاز والبلوز، ممتزجة بالتراث المغربي بأنواعه الشعبية، بدت كأنّها تعيش حياة جديدة داخل الجيل الجديد من خلال عزف يجمع بين حداثة الآلة وعتاقتها.
هذا النوع الموسيقي المغربي الأكثر عرضة للانقراض، بسبب انعدام استراتيجية لتوثيقه، يظل تطويره في قوالب فنية عصرية أنجح استراتيجية للحفاظ عليه واختراق ذوق جمهور جديد شبابي، يقول الباحث في علوم الموسيقى عبد العالي بنعزيز.
وبالرغم من تصنيف منظمة اليونسكو العيطة فنا موسيقيا تقليديا، يوضح الباحث الموسيقي في حديثه لهسبريس، فإن “تاريخ هذا الفن ظل غير مكتوب في ظل غياب إرادة حقيقية لتدوينه، باستثناء بعض المحاولات من طرف أكاديميين وباحثين، وانتقاله من جيل إلى آخر عبر التلقين الشفهي، لكن مع تطور الموسيقى الحديثة وانفتاح الشباب على الإيقاعات الموسيقية العالمية، يظل دخول العيطة إلى مختبرات الموسيقى العالمية، وإعادة توزيعها وفق أنماط موسيقية حديثة، السبيل نحو الحفاظ عليها”.
التراث اليهودي
“قفطانك محلول”، “هاكّا آماما”، “صدرك على صدري”.. هذه وغيرها من الأغاني اليهودية القديمة مازالت حاضرة رغم مرور عقود طويلة على خروجها إلى الوجود، إذ مازالت تطرب الآذان وترددها الألسن، بعد مبادرات من فنانين شباب لإعادة تأدية الموروث الشفهي اليهودي بما يتماشى ومتطلبات الجيل الجديد من الموسيقى.
“هاكّا آماما”، التي غنّتها المغربية زهرة الفاسي ذات الأصول اليهودية في أربعينيات القرن الماضي، قطعت أشواطاً كبيرة لتجد ضالتها مع المغني الشاب فيصل عزيزي، الذي أخرجها للجمهور بشكل جديد وتوزيع وأسلوب عصريين، لكن الكلمة تظل هي نفسها. ويقول الناقد بنعزيز إن “مجموعة من أغاني الرواد المغاربة يتم الاحتفاظ بها في الرفوف فقط، ويتعرف عليها جمهور اليوم فقط إذا قامت عائلات الفنانين بالخروج إلى الإعلام للمطالبة بالملكية الفكرية في حالة إعادة طرحها أو اقتباس بعض كلماتها، فأنا مع إعادة إحياء هذه الأعمال الفنية الخالدة ومغادرتها الخزانات العتيقة، ولا بأس بإدخال إيقاعات جديدة عليها، لكن من غير المعقول أن نأخذ جملة موسيقية فقط ونغير باقي الأبيات، فهذا يعد تشويها للتراث الفني الإبداعي”.
وعرفت الساحة الفنية المغربية، خلال الأسابيع الأخيرة، طرح العديد من الأعمال الفنية التراثية، من بينها أغنية “يا الناسي” للفنان الراحل إبراهيم العلمي، التي قدمتها الفنانة لطيفة رأفت.
ومن بين الفنانات المغربيات اللواتي اشتهرن بتأدية “كوفرز” أغان تراثية الفنانة الشابة “شاما”، التي اشتهرت بفيديوهات تتضمن مقاطع لأغان مغربية قديمة تقدمها على طريقتها، ومن بينها “لالة ماما”، “العار يا العار” و”هي هي” للفنانة الراحلة الحاجة الحمداوية.