لا يتجلى العمق الوجودي للإنسان إلا في الكتابة، فهي الفضاء الذي يتناسل فيه متخيلُه، وتتمرد اللغة على مقولها المعجمي باعتبارها سَكَنًا للذات الكاتبة. ومن ثمة تبدو علاقة المكتوب بكاتبه علاقةَ إفصاحٍ كوني وامتدادٍ صاعدٍ بوجوده الفيزيقي إلى ما فوق العابر النهائي، ينبع من ينابيع شتى نفسية وفكرية وسوسيولوجية وعرفانية وميثولوجية، ليخلق أنماطا دلالية وشكلية مؤشرة على وعي الذات في عموميتها؛ لا في خصوصيتها؛ وعلى القدرات اللغوية لهذه الذات في أبعادها التخييلية وتحققاتها الجمالية.
إنها سيرورات وتحولات خارج مدار التمييز الذي يحاول أن يسجنها في إطار الجنس الصادرة عنه، وبما أنها كذلك وبهذه الفاعلية، فإن سؤالها سيبقى سؤالَ قلقٍ مُمِضٍّ، وسؤال معرفة تتأبى على التقميط والتنميط. إذ كيف يمكن اختزال الجوهري في الإنسان في مظهره الجسدي واللاجوهري؟ وما جدوى هذا الاختزال؟ وما غاياتُه؟ وهل هو مبني على استراتيجية ابستيمولوجية؟
هي أسئلة مفتوحة تجرُّ بعد تقصيها إلى الملاحظات التالية:
1ـ فلسفة الكتابة لم تعد كما كانت، فقد تحول اتجاهها من التمجيد الميتافيزيقي للروح إلى قراءة الذات كأرضية لإنتاج المعرفة، ومعيارٍ لتغيرها. ونتيجة لذلك أصبح للإبداع تصور آخر، وهو أنه شكل من أشكال العلاقة بالعالم، وتفاعلٌ يصل الوعي بالأشياء.
2ـ الإفصاح المجرد للكتابة ليس نقيضا للحسي والملموس، ولا يتضمن تمييزا لجنس الذات الكاتبة، وإنما هو تمثيلٌ متسامٍ Subliméلها في كونيتها، وصورةٌ لتطورها وانتشارها، ووعيها بالعلاقات الخفية بين مكونات الكون.
3ـ الكتابة بديلٌ للذات في أفقها الكوني، وقناعٌ من أقنعتها المتعددة، وصيغة رمزيةٌ تمارس الانحجاب والانكشاف في الوجود وفق قوانين لعبة خاصة.
4ـ الكتابة متخيل خنثوي، تَسْتَلْهِمُ لاشعوريا كينونة مزدوجة متجذرة في الأصل الميثولوجي للإنسان.. هي كينونة الذات المتوحدة Androgyneالمتعالية عن الأنوثة والذكورة معا. وقد أصَّل ذلك يونغ حين قال: إن الإنسان امرأة كان أو رجلا ينقسم إلى قسمين هما: الأنيما Anima الممثل للجانب الأنثوي والرامز إلى الهدوء والسلم والارتخاء والاستيهام والنزق والأحلام. والأنيموسAnimus الممثل للجانب الذكوري، والرامز إلى الصرامة والدقة والتوتر والكوابيس والخشونة والنظام. وهذه الذات الأندروجينية لا يكون تمركزُها -وفقا لغاستوف باشلار- إلا في هوية الكلمات والأحلام، وليس في خصائص الذكورة والأنوثة، فهي التي تعطي للكتابة جنسنتهاSexualisé، وتُلحقُها بالذات لكونها نتاجا صادرا عن القلب والنفس والكائن في راهنيته.
وتأسيسًا على هذه الملاحظات؛ نرى:
أـ أن تسمية الأدب النسائي تسمية مغالطة، ولا يمكن أن تكون مصطلحا علميا دقيقا، يمكن الاعتماد عليه في المقاربات النقدية، كما أنه لا يخلو من تكريس التمييز الذي تناضل المرأة من أجل محوه في مختلف المناحي والتوجهات التي تتضرر منها.
ب- أنها تُخفي مكرا إيديولوجيا انتبهت إليه الكثيرات من المبدعات والباحثات شرقا وغربا.
ج- أن التسليم بها يجر إلى القول إن: السينما النسائية والتشكيل النسائي، والمسرح النسائي، والموسيقى النسائية، وما إلى ذلك من الدُّرَجِ (الموضات) والتسميات التي أشاعها دهاقنة الإيديولوجيا عن طريق الإعلام لتكريس التمييز والتقسيم تحت ستار الخصوصية والتميز.