أبيات فلسطينية للشاعر أشرف فياض ألقيت في ندوة تقديم “أنطولوجيا الشعر الفلسطيني الراهن”، الصادرة باللغتين العربية والفرنسية، بتوقيع الشاعرين عبد اللطيف اللعبي وياسين عدنان.
هذا اللقاء الذي استقبله المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط حضرتْهُ ذكرى الشاعر الفلسطيني أشرف فياض، المعتقل بالسعودية منذ ما يزيد عن ثماني سنوات، في وقت عُمِّدَت هذه الأنطولوجيا باسم قصيدة له: “أن تكون فلسطينيا”.
ولم تغب عن اللقاء “حزازات”، بعدما أنهى متدخلٌ كلمته دون طرح سؤالٍ، بقوله: “وسيدنا الله ينصرو، جلالة الملك”، ليتساءل عَقب ذلك اللعبي عن الداعي لمثل هذا القول في لقاء شعري، قبل أن يضيف: “الشاعر إنسان حر لا يخضع ولا يبايع، وليس هذا مقام هذا، هذا مقام الكلمة الحرة والتضامن وليس ‘التْبْنْدِيقْ’”.
وفي تقديم هذا المؤلف الشعري الذي يضم قصائد ما يقرب من ثلاثين شاعرا فلسطينيا شابا، ذكر اللعبي أنه “كان لا بد من التذكير بأن للشعب الفلسطيني قضية يدافع عنها”، وتابع: “انطلقَت الأنطولوجيا من قناعة سياسية؛ هي فعل سياسي بجدارة، وفي وقت نفسه العمل لخدمة الشعر والثقافة الفلسطينية”.
الشاعر المغربي تأسف لوضع البلاد بعد التطبيع مع إسرائيل، وعلق قائلا: “وصلنا إلى مستوى غريب جدا، ولم أعد أفهم أي شيء في ما يحدث حول القضية الفلسطينية في المغرب، وقد كنا نعتبرها قضية وطنية”، قبل أن يضيف: “لن أدخل في التفاصيل فهي جارحة”.
ثم عاد اللعبي لينتقد “ما حدث ويحدث في الشارع العربي، فمن السهل مهاجمة الأنظمة وحدها، لكن حتى الشعب العربي غائب في التعبير عن موقف من قضية كان يعتبرها منذ عشرين سنة، أو أقل، قضية وطنية مثل التعليم”.
واستحضر الشاعر استمرار اعتقال أشرف فياض بعدما قضى حكمه بثماني سنوات، معتبرا إياه “رهينة”، حاليا، ثم تأسف لكون صوت اتحادات الكُتّاب بالعالم العربي لم يرتفع من أجله، ولا حتى صوت السلطة الفلسطينية، واسترسل قائلا: “اعتقاله لم يخلق رجة في العالم العربي ولا فلسطين، ووقع التضامن والتعبئة في العالم الغربي. (…) هذا يحز في النفس.. تكلَّفَت باستقباله وإعداد تأشيرة قدومه إلى أوروبا وسكنه وعيشه جمعية نرويجية. الإحساس والشعور وروح التضامن في النرويج، وهذه تقاليد ليست عندنا، ولو أنها كانت قليلا في الماضي، فقد كتب البياتي ويوسف سعدي قصائد حولي وأنا في السجن”، وزاد متسائلا: “لماذا ليس المغرب؟ وقد بحثتُ ليُستقبل هنا، ويوفَّر له سكن ومنحة سنة حتى ينظم أحواله”، لكن الأمر لم يتم.
وجوابا عن سؤال المُسَيّرة حول “الأمل”، ذكر اللعبي أنه “ليس ديانة جديدة؛ هو مثل الإنسان أحيانا يتعب وأحيانا يصيبه بعض القلق الوجداني”، مستدركا: “لكن لولا الأمل ما كنا حاضرين هنا اليوم نتحدث بحرية وجرأة عن هذا الحدث الأدبي البسيط”.
اللعبي تطرق، أيضا، إلى أصداء الأنطولوجيا، وهذه ثالِثَتُه حول الشعر الفلسطيني، قائلا: “من يريد المشاكل فليُعد أنطولوجيا”؛ حيث يدخل معدّها في نقاشات “لماذا اخترت هذا وليس الآخر”، في حين أن الأمر يختلف من منتقٍ لآخر، “وقد تختلف تماما لو أعدها آخرون، لكن هذا ما اخترناه”.
وتحدث الحاصل على جائزة “غونكور” أيضا عن معيار قابلية الأشعار للترجمة؛ فـ”ليس كل شيء قابلا للنقل من لغة إلى أخرى، من معطيات لغوية وتاريخية”، وحتى بعض قصائد محمود درويش “لا تعطي عند ترجمتها للفرنسية”.
خالد سليمان الناصري، شاعر فلسطيني، تحدث من جهته عن إحساسه المختلط بعدم المفاجأة والروعة من كون “أنطولوجيا للشعر الفلسطيني بقلمَين مغربيين”.
ووضع المتحدث هذا المنشور في سياق “لحظة نشهد فيها انهيارات كبيرة في فلسطين والعالم العربي”، وفي زمن “التنازل عن القيم”، و”الصلح مع قاتل مازال يحتل ويقتل”، ثم زاد: “كانت هذه صدمة لنا”، قبل أن يُكْبر ما تسهم به مثل هذه الأعمال في التنبيه إلى أن “فلسطين قضية أكبر من أن تهزم” في رسالة سياسية، وأدبية أيضا، يسهم فيها أجيال من الكُتّاب.
ياسين عدنان، بدوره، تحدث عن قدوم الأنطولوجيا بعد “هذا النوع من التطبيع الشامل مع إسرائيل الذي ننظر إليه بعين الارتياب، حتى لا نقول شيئا آخر؛ ونخشى أن يقبِر فلسطين قضية وشعاعا”، وبعيدا عن “متاهات السياسة” جاءت فكرة “أن نشغّل شيئا ما من أجل الوجدان الفلسطيني”.
رحيل الشاعر مريد البرغوثي أثر أيضا، وفق ياسين عدنان، مع تولد إحساس، عند النقاش مع اللعبي، بأن “الشعر الفلسطيني يفقد رموزه”، مع ما رافق ذلك من “نقاش المستقبل والأجيال”.
وحول ضم الأنطولوجيا أشعارا فيسبوكيّة، تشبث المتدخل بهذا الاختيار لأن “فيسبوك فضاء حياة وتفاعل حقيقي، ويضم أناسا ليس لهم ولوج إلى دور النشر”.
وتعليقا على انتقاداتٍ حول حضور وغياب أسماء في الأنطولوجيا، قال الشاعر: “نحن أمام مرج، انتقينا منه زهورا، وقدمناها إليك، فلماذا ترمي الباقة في وجهي؟”.
وبعيدا عن زمن “سجّل أنا عربي”، ذكر ياسين عدنان أن هذه الأصوات الشعرية التي تضمها الأنطولوجيا لا تفتخر بكونها عربية، بل منها المنزعج من فلسطينيّته، ومنها أصوات الشتات الفلسطيني الذي حمل كلٌّ منهُ فِلسطينَه إلى وطنه، ومنها المعتقل في السجون مثل أشرف فياض، ومنها الشعراء المهزومون المستعدون للتطبيع مع الهزيمة، لكن “صوتهم هش صافٍ”.