منذ حوالي عقد من الزمن، وضعت السلطات الحكومية المكلفة بقطاع السياحة تصورا للقطاع يرمي إلى استقطاب 20 مليون سائح، في أفق سنة 2020. وبعد مرور عامين على الأجل المحدد، لم يتحقق الرهان بعد، إذ لا تزال المملكة بعيدة عن بلوغ هذا العدد من السياح سنويا.
ومنذ إطلاق “رؤية 2020″، لم يتعد سقف عدد السياح السنوي الوافدين على المغرب 13 مليون سائح، حسب الأرقام المسجلة في سنة 2019، قبل انتشار جائحة فيروس كورونا التي كبدت القطاع السياحي خسائر كبيرة، بالكاد بدأ يلامس طريقه نحو التعافي منها ابتداء من الربع الثاني من السنة الجارية.
ويعود “فشل المغرب في استقطاب 20 مليون سائح سنويا” إلى مجموعة من الأسباب؛ في مقدمتها ضعف تتبع ومراقبة تنفيذ البرامج المسطرة، وعدم تواصل الجهات الحكومية المعنية مع جميع الفاعلين في القطاع، حسب إفادة محمد بامنصور، الكاتب العام للفيدرالية الوطنية للنقل السياحي.
بامنصور قال إن الانفتاح على مختلف مكونات قطاع السياحة يستمد أهميته من أن 95 في المائة من النسيج المقاولاتي للقطاع يتشكل من المقاولات المتوسطة والصغيرة، مبرزا أن الجهات الحكومية لا تعرف الإشكالات التي تعاني منها هذه المقاولات، بسبب عدم التواصل معها.
واعتبر المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن من بين الإشكالات الكبرى التي يعاني منها القطاع السياحي عدم استفادة الفاعلين فيه من التكوين؛ وهو ما يُفضي إلى عدم تملكهم للمهارات والقدرات اللازمة لاستقطاب السياح، في وقت تزداد فيه شراسة المنافسة التي يشكلها القطاع غير المهيكل.
ويعاني الفاعلون في القطاع السياحي من منافسة القطاع غير المهيكل بشكل متزايد، لا سيما مع ما تتيحه لهم مواقع التواصل الاجتماعي من إمكانيات للتواصل مع السياح واستقطابهم، دون أن تستفيد الدولة من العائدات التي يجنونها، حيث لا يدفعون الضرائب، كما أن طبيعة الخدمات التي يقدمونها لا تعود بنفع على الاقتصاد الوطني.
ولا تقتصر الأضرار التي تلحق بالفاعلين العاملين في القطاع المهيكل على هذا الجانب فحسب؛ بل تمتد إلى المساس بالصورة العامة للقطاع السياحي، إذ إن التصرفات المسيئة التي يرتكبها النشيطون في القطاع غير المهيكل تُشيع صورة سلبية عامة على السياحة المغربية ككل.
وسجل الكاتب العام للفيدرالية الوطنية للنقل السياحي أن المغرب يملك جميع الإمكانيات والمؤهلات التي تؤهله ليكون وجهة تنافسية قوية في المجال السياحي على الصعيد العالمي؛ غير أن ذلك، أضاف المتحدث، يتطلب إعادة هيكلة القطاع.
وأوضح بامنصور أن الأشخاص الذي يبيعون المنتجات السياحية في العالم الافتراضي يبيعون بسعر أرخص بثمانين في المائة من الفاعلين الحقيقيين الذين لديهم مقاولات، مبرزا أن “العشوائية” في القطاع تضاعفت بعد أزمة جائحة فيروس كورونا.
وخلال الدورة الحادية عشرة للمناظرة الوطنية للسياحة، المنعقدة سنة 2014، جرى الاتفاق بين المهنيين والفاعلين العموميين على حزمة من الإجراءات؛ منها المتعلقة بتعزيز حكامة رؤية 2020، حيث تم الاتفاق على إحداث هيئة عليا للسياحة في سنة 2015، لكن الهيئة لم ترَ النور.
وفي الوقت الذي لم يُفلح فيه المغرب إلى حد الآن في ربح رهان استقطاب عشرين مليون سائح سنويا، أصبح آلاف المغاربة خلال السنوات الأخيرة يفضلون قضاء عطلهم في الخارج، لسبب رئيسي في العمومي: البحث عن خدمة سياحية ذات جودة مقابل سعر معقول.
وفي الوقت الذي تتزايد فيه شكاوى المغاربة من ارتفاع سعر المنتجات السياحية ببلدهم، اعتبر الكاتب العام للفيدرالية الوطنية للنقل السياحي أن أسعار المنتجات السياحية في المغرب تنافسية وفي المتناول، بالنسبة إلى السائح الأجنبي، قبل أن يستدرك بأن الجهات المعنية لا توفر للسائح المغرب منتوجا سياحيا يلائم قدرته الشرائية.
وأوضح الكاتب العام للفيدرالية الوطنية للنقل السياحي أن الترويج للوجهات السياحية الداخلية “لا يتم بطريقة سليمة، إذ تستفيد منه فنادق معينة؛ في حين أن هناك رياضا وفنادق في عدد من مناطق المملكة توفر المبيت وباقي الخدمات للسياح بسعر معقول.
إشكال آخر قال بامنصور إنه يعيق استقطاب السياح يتمثل في ضعف أو غياب دعم المجالس الجهوية للسياحة، موضحا أن المجلس الجهوي للسياحة بسوس ماسة هو الوحيد الذي يستفيد من دعم كبير؛ في حين أن باقي المجالس تضطر إلى الاعتماد على إمكانيات ضعيفة، ومنها مجلس جهة مركش-آسفي، على الرغم من أن مراكش هي الوجهة السياحية الأولى في المغرب.