يعيد الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش رسم مسارات عديدة في تدبير الشأن المحلي والخارجي للبلاد، من خلال وضع السياسة العامة للمملكة، فبعد مطالب ونقاشات مجتمعية، حسم الملك محمد السادس في قضايا القدرة الشرائية والغلاء ووضعية المرأة ومدونة الأسرة والعلاقات مع الجزائر.
ومن المرتقب أن يبث الخطاب نقاشات كبيرة في صفوف الأغلبية والمعارضة، وكذا في الشارع العام، خصوصا في قضايا غلاء الأسعار والمضاربات التي كانت محط انتقادات واسعة طوال الفترة الماضية، مع مطالب باتخاذ إجراءات حكومية تخفف حدة الضغط على المواطنين.
وإلى جانب الأسعار والمضاربات، يرتقب أن تعود السجالات بين تيارات الحداثة والمحافظة داخل المجتمع المغربي، عقب إقرار الخطاب الملكي بضرورة مراجعة مدونة الأسرة، وطرحه مسائل الآيات القطعية وضرورة تعزيز مكانة المرأة داخل المجتمع.
وفي الصدد ذاته، رفض الملك محمد السادس أي إساءة تصدر من مغاربة إلى الشعب الجزائري، مبديا تشبثه بسياسة اليد الممدودة لبناء العلاقات بين البلدين، على عكس ما تضمنته تحليلات وتعليقات كثيرة تصدر أحيانا على مواقع التواصل الاجتماعي.
أحمد عصيد، الباحث والحقوقي، اعتبر أن أهمية الخطاب تتمثل في ثلاثة أمور حسب تقديره، أولها القرار الذي انتظره الحقوقيون والحركات النسائية منذ سنوات، والمتمثل في مراجعة المواد التي تطرح إشكالا في مدونة الأسرة، وذلك بعد 18 سنة مرت على المراجعة السابقة.
ووفق عصيد فقد أظهرت النسخة الحالية الكثير من النقائص والعيوب، “ولعل تأكيد الملك على ما ورد في الخطاب الذي أقر فيه المراجعة السابقة، وأشار فيه إلى عدم تحليل المحرم أو تحريم المحلل، يعني أن المواد التي لم ترد فيها نصوص واضحة ومباشرة يمكن تعديلها”، وفق تعبيره.
“وقد يعني ذلك في موضوع الإرث مثلا إلغاء كارثة ‘التعصيب’، الذي تعاني منه الأسر المغربية معاناة كبيرة. ولعل التطرق لموضوع المدونة في البداية قبل القضايا الاقتصادية والرعاية الاجتماعية يشير إلى الأهمية التي يعطيها الملك لهذا الموضوع، الذي يشكل حقل ألغام بالنسبة للنخب المغربية”، يضيف المصرح لهسبريس.
وفي سياق آخر، أشار الحقوقي ذاته إلى أن “الخطاب شدد على أهمية استكمال تعميم الرعاية الصحية، والعمل على تخفيض الأسعار، المشكل الذي يؤرق فئات اجتماعية واسعة، مع البت في عوائق الاستثمار وطرق تسهيل جلب الاستثمارات؛ وإن لم يشر إلى التدابير التي يمكن بها مواجهة تلك العوائق”.
“كما شكل الخطاب التفاتة هامة إلى الجارة الجزائر بما ورد في الخطاب الملكي من سياسة اليد الممدودة ومن دعوة إلى رأب الصدع، وإقرار حسن الجوار وفتح الحدود، وهو رد إن كان يقابله عناد كبير من الطرف الآخر إلا أنه يسجل نقطة إيجابية للنظام المغربي دوليا”، يختم المتحدث ذاته.