على خطى خطابات سابقة، جاء الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب، مساء أمس السبت، حاملا لنبرة الوضوح والصرامة لكل الفاعلين، لاسيما في الشق الاقتصادي وعلاقته بالمغاربة المقيمين بالخارج.
وللمرة الثانية على التوالي، في أقل من شهر، بعد خطاب ذكرى عيد العرش الذي أفرد حيّزا هاما للحديث عن “معيقات الاستثمار وعراقيله بالمغرب”، توجّه الجالس على عرش المملكة، في خطاب 20 غشت 2022، إلى “المؤسسات العمومية وقطاع المال والأعمال الوطني”، مطالبا إياهما بصريح العبارة بـ”الانفتاح على المستثمرين من أبناء الجالية؛ وذلك باعتماد آليات فعالة من الاحتضان والمواكبة والشراكة، بما يعود بالنفع على الجميع”.
وتابع الملك في نبرة تأكيد قائلا: “نجدد الدعوة للشباب وحاملي المشاريع المغاربة، المقيمين بالخارج، للاستفادة من فرص الاستثمار الكثيرة بأرض الوطن، ومن التحفيزات والضمانات التي يمنحها ميثاق الاستثمار الجديد”.
الخطاب ذاته لم يَخلُ من إشادة ملكية بـ”مجهودات كبيرة” تقوم بها الدولة قصد “ضمان حسن استقبال مغاربة العالم. ولكن ذلك لا يكفي”، حسب الملك الذي أردف شارحا “لأن العديد منهم، مع الأسف، ما زالوا يواجهون العديد من العراقيل والصعوبات، لقضاء أغراضهم الإدارية، أو إطلاق مشاريعهم. وهو ما يتعين معالجته”.
وفي هذا الصدد، أوضح الخبير الاقتصادي عمر الكتاني أن “الخطاب الملكي يأتي في سياق تجديد إرادة الإصلاح المعبّر عنها منذ سنوات”، مضيفا “لكن الأهم هو قوة تنفيذ القانون بيد السلطات الأخرى وكذا ضمان إنفاذه على جميع المواطنين، بدون تمييز، لاسيما المغاربة العمّال بالخارج، لأن الحساسية تجاه تطبيق القانون أعلى لدى مغاربة العالم من المقيمين؛ نظرا لأنهم يعيشون في دول تحترم المستثمرين وتيّسر مهامهم”.
وقال المتحدث ذاته إن التعليمات الملكية الواردة في خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب تظل “مهمّة باعتبارها قوة ضاغطة على الإدارة كي تُنفذ وتشتغل بحزم أكبر”، مضيفا أنها “ميزة يمتاز بها المغرب، لأنه لدينا سلطة عليا يلتزم الجميع بتوجيهاتها ويحتكم إليها”. وأكد أن المدخل الأساس هو القانون لإعادة ثقة المستثمرين بالخارج في وطنهم.
وعرّج الكتاني، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، على “مسألة الرخص الاستثمارية وطرُق منحها”، مستغربا أن يتم التمييز بين المتقدّمين لإطلاق مشاريع. كما تساءل في هذا السياق “هل تُعطى دون مقابل ومحاباة؟” قبل أن يجيب “ليس الكل، لكن هناك نوعا من الابتزاز ومشكلا كبيرا يتعلق بالرقابة على منح مشاريع استثمارية معيّنة؛ وهو ما ينفّر مغاربة العالم من الاستثمار في بلدهم الأم”.
ولفت أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط الانتباه إلى أن “استيفاء الشروط حين التقدم بملفات الاستثمار يلزَمُه تلقائيا الموافقة والاحتضان وإجراءات المواكبة؛ إلا أن العكس هو الحاصل في الواقع للأسف”، داعيا إلى تضمين ميثاق الاستثمار “آليات الردع اللازمة ولجنة عليا لمراجعة الموافقة في حالة التوصل بشكايات الجالية التي تضخ ملياري دولار (200 مليار درهم) في استثمارات يذهب أبرزها إلى التجارة وقطاع الخدمات والسياحة (مقاهٍ، مطاعم، محلات تجارية للكراء..)”.
وأثار الكتاني مسألة تسهيل إجراءات ولوج مغاربة العالم إلى الاستثمار في قطاع العقار، قائلا إنه مِن مسؤولية الدولة أن تتكلّف بحماية كراء المحلات ومن الشطط في استغلالها وعدم إفراغها؛ موردا في هذا الصدد رقما دالّا: “هناك 200 ألف قضية رفعها العمال المغاربة والمستثمرون من الجالية المقيمة بالخارج أمام المحاكم”.
وتنزيلا للرؤية الملكية بخصوص إسهام مغاربة العالم في دينامية التنمية والاستثمار، اقترح الخبير الاقتصادي “وضع خريطة للمشاريع الممكنة في جميع المجالات ذات الطابع الاجتماعي؛ لاسيما في مجالات نائية وقروية قصد النهوض بها وتحويلها إلى أقطاب صاعدة اقتصاديا”، وهو ما يتطلب، حسبه، “تعزيز دور الدولة في توفير الوعاء العقاري والهندسة والدراسات التقنية لمغاربة العالم الراغبين في الاستثمار، مع دعوتهم باسم الغيرة على الوطن ومناطق الانتماء إلى الإسهام في مشاريع ذات قيمة عالية لبلدهم”.
ودعا الكتاني إلى تنويع مصادر التمويل المتاحة للمستثمرين من “مغاربة الخارج”، سواء عبر “التمويل عن طريق سندات، أو اللجوء إلى أشكال تمويل تشاركية بواسطة جمع التبرعات عبر الويب، مثلا”، مشددا في هذا الصدد على ضرورة “جذبها عبر حملة دعائية باسم الاستثمار الاجتماعي والمسؤولية الاجتماعية، لاسيما فئة الميسورين منهم”.
وخلص إلى تجديد دعوته بـ “تعزيز تدابير المتابعة والردع والمعاقبة، وتحديد مدة زمنية للموافقة على تسريع المسطرة ضمن ميثاق الاستثمار المرتقب أن يصادق عليه البرلمان في الأسابيع المقبلة”، دون أن يُغفل الدعوة إلى “دور رائد للمراكز الجهوية للاستثمار للنهوض باستثمارات عمّال مغاربة بالخارج”، مقترحا “إحداث جائزة وتحفيزات لأفضل مركز جهوي حقق جذبا لرؤوس أموال مغربية” عادت إلى مناطقها الأصل قصد المساهمة في دينامية التنمية.