مع تجدّد انبعاثات “غبار أسود” متناثر في سماء مدينة القنيطرة، تجدد الحديث بين الساكنة عن “ظاهرة” طالما كدّرت صفو المدينة ونغّصت حياة المواطنين في ثالث أقطاب المملكة صناعيا بعد الدار البيضاء وطنجة.
ورصدت جريدة هسبريس تداول مستخدِمي مواقع التواصل الاجتماعي، أغلبهم ينحدرون من “حاضرة الغرب”، مصفوفة من الصور ومقاطع فيديو أجمعت على وسم “القنيطرة تختنق”، وتوثّق لـ”مسحوق أسود” متناثر على سطوح المباني والواجهات، مُعيدة إلى الأذهان ما تشهده هذه المدينة من عودة هذه الإشكالية البيئية من فترة إلى أخرى، لاسيما انتشارها بشكل كثيف خلال سنة 2017، قبل أن ينخفض ذلك بعد مسلسل تضمن شكايات واستفسارات، مرورا بالاحتجاج قبل أن يصل صدى القضية إلى قبة البرلمان.
وأكدت فعاليات بيئية وجمعوية محلية، في منشورات متعددة، على “ضرورة تدخل الجهات الوصية، في أقرب الآجال، من أجل إيجاد حل نهائي للغبار المتناثر، الذي بات يهدد ليس فقط التنوع البيئي، بل طال أيضا صحة السكان”.
عودة ظاهرة الغبار الأسود بالقنيطرة دفعت مستشارين عن تحالف فيدرالية اليسار بجماعة القنيطرة إلى مراسلة وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، في الموضوع، و”طلب تجاوبها السريع” نهاية عام 2021، موردين في رسالتهم التي تتوفر هسبريس على نسخة منها: “انتشر في الآونة الأخيرة بشكل واسع الغبار الأسود المنبعث عن المنطقة الصناعية؛ وبالضبط عن المحطة الحرارية لتوليد الكهرباء، وهو ما يتسبب في أضرار صحية بليغة جداً لساكنة الأحياء القريبة من المنطقة الصناعية”.
وأضافوا أن هذه الظاهرة “تكررت بعد سخط جماهيري كبير في السنوات السابقة تخللته عدة إجراءات لدراسة هذا الإشكال دون الوصول إلى حل حازم يحد من انبعاث الغبار الأسود وغيره من الملوثات على الساكنة”، لافتين الانتباه إلى أن ذلك “تنجم عنه أضرار صحية متمثلة في أمراض خطيرة مثل الربو والحساسية، القلب والشرايين والسرطان”.
تجاوب مفقود
زينب الشراط، المستشارة الجماعية عن تحالف فيدرالية اليسار بالقنيطرة، قالت لهسبريس إن “صحة ساكنة القنيطرة في خطر كبير يستلزم التدخل من أجل إيجاد حل نهائي وحاسم، لأنه لا التزامات المغرب الدولية ولا التشريعات والتوجهات الوطنية تسمح بالضرر الذي يلحق بالقنيطريين، صغاراً وكباراً، جراء هذه الظاهرة”.
وأكدت الشراط، في تصريحها، “عدم تجاوب الجهات الوصية مع تكرار الأسئلة والشكايات المكتوبة، سواء إلى الوزارة الوصية أو إلى رئيس المجلس الجماعي”، لافتة الانتباه إلى “تزايد الامتعاض والاستياء، اللذين تعبر عنهما الساكنة المتضررة في مواقع التواصل، إثر انبعاث رائحة كريهة أيضا إلى جانب تناثر الغبار الناتج عن أدخنة مصنع لإنتاج الكهرباء، لم يتم استبدال أدوات الترشيح والتصفية به، مما يجعل ساكنة المدينة بأكملها تحت رحمة هذا التلوث”.
كما كانت النائبة البرلمانية عن فدرالية اليسار، فاطمة التامني، قد أثارت الموضوع في سؤال كتابي إلى الوزيرة الوصية على القطاع، مطالبةً بـ”مدّ المواطنين بمعلومات عن أسباب انبعاثات الغبار الأسود والجهات المسؤولة عنه، فضلا عن إجراءات تضمن عدم تكرار الظاهرة مستقبلا”.
تجدد المعاناة
محمد البوش، المدير العام للمختبر الوطني للدراسات ورصد التلوث، المكلف بتتبع الأبحاث حول الغبار الأسود بالقنيطرة، عزا أسباب عودة هذا الغبار بسماء مدينة القنيطرة إلى “ارتفاع درجة الحرارة خلال فصل الصيف”.
وأوضح المسؤول ذاته، في توضيح إعلامي، أن الأحوال الجوية خلال فصل الصيف “تؤدي إلى حجب هبوب الرياح، مما يساهم في تجمع دخان المصانع بالمحطة الحرارية والمنطقة الصناعية للقنيطرة في السماء وبقائه فترة طويلة”. مضيفا أنه “تم قبل ثلاثة أشهر الانتهاء من التقرير، الذي كان المركز مكلفا بإنجازه، وقد تم تسليمه إلى عمالة القنيطرة”، إذ أظهرت “المعطيات المتوصل إليها أنه لا يوجد أي تأثير على الحالة البيئية للمدينة أو على السكان”.
جدير بالذكر أن مستشاري فدرالية اليسار بجماعة القنيطرة، سبق لهم، تبعاً للمادة 100 من القانون التنظيمي 113.14، أن راسلوا رئيس جماعة القنيطرة، في يناير 2022، مسائلين إياه عن “التدابير الوقائية التي اتخذها للحد من هذه الظاهرة”. كما سجلوا في المراسلة، التي تتوفر عليها هسبريس، أنه “على الرغم من أهمية توفير الكهرباء وتعميمه، إلا أن ذلك لا يمكن أن يكون على حساب صحة الإنسان الذي يجب أن تكون كل السياسات العمومية تتمحور حوله وحول سلامته وأمنه”.