يتميز الساحل الإفريقي الأطلسي بوجود أقوى الاقتصادات في القارات، لكن إطلاق العنان لإمكانياتها للاندماج في سلاسل القيمة العالمية يتطلب توفير ربط بحري أفضل لتحقيق دفعة قوية لقطاع الشحن البحري.
كان ربط الشريط الساحلي الإفريقي موضوع ندوة نظمت بمراكش، الجمعة، في إطار أشغال الدورة 14 لقمة الأعمال الأميركية الإفريقية، استعرض المشاركون فيها وضعية قطاع الموانئ الإفريقية.
وأجمع المشاركون في الندوة على افتقاد قطاع الموانئ في القارة للكثير من المؤهلات، خاصة ضعف عدد الموانئ التي توفر عمقا كبيرا يمكنها من مسايرة تطور قطاع النقل واللوجستيك، إضافة إلى ضعف اندماج العديد من الموانئ الإفريقية في محيطها وضعف البنيات التحتية الطرقية والسككية التي تربطها بخلفيتها القارية، ناهيك عن انعدام الربط بين الموانئ الإفريقية وتفاوت مستوى تطورها وبيئاتها القانونية.
وعلى الرغم من أن الواجهة الساحلية الطويلة للقارة تضم العديد من الاقتصاديات الإفريقية الكبرى، إلا أن حصة إريقيا في سوق النقل العالمي لا تتجاوز 4 في المائة، مقابل حصة 60 في المائة بالنسبة لآسيا، وفق إفادات المتدخلين في الندوة.
وقدمت سناء العمراني، مديرة قسم الموانئ لدى وزارة التجهيز والماء، خلال مشاركتها في الندوة، التجربة المينائية المغربية التي اعتبرتها قصة نجاح حققت العديد من الإنجازات المهمة، وأرجعت هذا النجاح إلى توفر المغرب على رؤية استراتيجية واضحة.
وقالت العمراني إن الرؤية الاستراتيجية للمغرب في هذا المجال ترتكز على دراسة واستشراف التوجهات المستقبلية وآفاق التنمية الاقتصادية للبلاد واستباقها، وهو ما مكن المملكة من التوفر على منظومة مينائية ذات تنافسية عالية على المستويين الإقليمي والدولي، تتميز بموانئ متخصصة ومندمجة في بيئتها.
وأشارت المتدخلة في هذا الخصوص إلى ميناء طنجة المتوسط الذي يلعب دورا أساسيا في المسافنة الدولية، والميناء الصناعي الكيماوي في الجرف الأصفر، والميناء التجاري الضخم في الدار البيضاء الذي يمتد على مسافة 4000 كيلومتر، وميناء أكادير المتخصص في تصدير المنتجات الفلاحية ويوفر عمقا يناهز 600 متر لاستقبال السفن العملاقة.
كما استعرضت العمراني قائمة من الموانئ التي توجد في طور الإنشاء على البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، منها على الخصوص ميناء الداخلة الضخم في أقصى جنوب البلاد الموجه لخدمة غرب إفريقيا.
من جانبه، تحدث بدر دريسي، رئيس قسم الاستثمار لدى الصندوق السيادي المغربي “إثمار كابيتال”، عن المزايا التنافسية التي يجب على البلدان الإفريقية أن توفرها قصد اجتذاب التمويلات والاستثمارات اللازمة لتطوير قطاعها المينائي، من بينها توفير الرؤية الاستراتيجية والاستقرار والإطار القانوني الملائم.
وقال دريسي إن الموانئ يجب أن ينظر إليها كممرات تربط الأسواق العالمية، وهو ما يستدعي التخطيط لإنشاء الموانئ كأقطاب صناعية وفلاحية، وأعطى مثال طنجة المتوسط الذي أصبح يصدر السيارات ونجح في اجتذاب عدد من المستثمرين الصناعيين.
ودعا أوبويو أوفوريوكوما، مدير شريك بصندوق “أفريقيا 50” لتسريع تمويل مشاريع البنيات التحتية، إلى اعتماد مخطط إفريقي لتنمية القطاع المينائي، وقال إن “الرؤية الاستراتيجية طويلة المدى أساسية على مستوى كل دولة، وأكثر من ذلك يجب أن تكون لدينا استراتيجية طموحة، بعيدة المدى، منسقة وموحدة على الصعيد الإفريقي”.
وأضاف: “لدينا المواد الخام وأكبر خزان عالمي للأراضي الصالحة للزراعة، كل هذا يعد مؤشرا على الفرص والمؤهلات الكبيرة للقارة، غير أنه بدون الاستثمار في موانئ عصرية وربطها بمواقع وجود هذه الفرص والمؤهلات عبر شبكات ملائمة من الطرق والسكك، فلن يتحقق أي شيء من هذه الفرص والمؤهلات”.
وعبر المسؤول الإفريقي عن أمله أن تشكل منطقة التجارة القارية الإفريقية حافزا لتطوير هذه البنيات التحتية، مشيرا إلى أن الأمر لا يتعلق بالموانئ البحرية فحسب، بل أيضا بالموانئ القارية الموجودة على اليابسة التي ترتبط بالموانئ البحرية، خصوصا وأن 13 دولة إفريقية ليست لديها واجهة بحرية، ولديها دول مجاورة مطلة على البحر.
يشار إلى أن قمة الأعمال الأميركية الإفريقية امتدت على مدى ثلاثة أيام بمراكش، وهي من تنظيم “مجلس الشركات بإفريقيا”، بشراكة مع المملكة المغربية، وعرفت حضور وفد حكومي أمريكي هام، ووزراء أفارقة، وصناع القرار بأكبر الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات ورجال الأعمال الأفارقة.
وتمثل القمة، التي أتاحت إحداث شراكات أعمال ثلاثية بين الولايات المتحدة والمغرب وإفريقيا موجهة نحو المستقبل، فرصة لتعزيز التموقع الاستراتيجي للمغرب، البلد الإفريقي الوحيد الذي أبرم اتفاقية للتبادل الحر مع الولايات المتحدة، باعتباره محورا بالنسبة لإفريقيا وشريكا اقتصاديا مرجعيا للولايات المتحدة.